facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




مسبحة وشرشف


د. صبري ربيحات
25-06-2024 10:43 AM

مع انتهاء عطلة العيد واكتمال عودة الحجاج من رحلة العبادة لهذا العام توافد المئات من ابناء حي الطفايلة على جمعية جعفر الطيار الواقعة وسط الحي للسلام عليهم وتهنئتهم بالسلامة ففي هذا العام كانت العودة السالمة مغنما خصوصا بعد ما شاهدناه من معاناة انتهت بموت عشرات الأردنيين من الحر والجوع والاجهاد.

جاءت فكرة الاستقبال الجماعي للمهنئيين للتخفيف على الكبار عناء التنقل بين البيوت ولمساعدة من لا تسمح أوضاعه الصحية صعود الادراج ولتوفير فرصة التلاقي والبهجة الجماعية التي يحتاج لها ابناء الحي

في حي الطفايلة اكتسب الشباب خبرة تنظيمية واسعة وتمرسوا في الخدمة العامة وغالبية من في الحي من شباب منخرطون في لجان الخدمة العامة وهم لا يقولون ما لا يفعلون.

عند المساء تجدهم يرتدون سترات فسفورية لينظموا المرور في الشوارع الضيقة والساحة الرئيسية فيما يعمل اخرون على تهيئة المكان وتجهيزه لاستقبال المهنئيين.

قاعة المسجد هي العنوان الدائم لكل المناسبات يؤمها الاهالي للمشاركة في الافراح والاتراح وتستضيف كل الاجتماعات والاحتفالات ومجالس فك النزاعات وعقد صكوك الصلح وتحديد مدد الهدنة "العطوة" عند وقوع حوادث الاعتداء او الخطأ.. في الحي الذي يفخر اهله باسهاماتهم في دعم الاشقاء الغزيين لا شيء يسعد الشباب والاهالي اكثر من تأدية الواجب واغاثة الملهوف وخدمة القضايا العامة.

مشهد اهالي الحي وهم يقفون في صف طويل أوله في قاعة الجمعية واخره في الشارع منظر مشبع بالآخوة والإنسانية والصدق والحب البعيد عن التصنع والمجاملة.

على مقربة من بوابة القاعة الفسيحة يقف حجاج هذا العام في صف واحد للترحيب بالمهنئين وفي الداخل يتأكد فريق الضيافة من ان كل واحد قد تناول حبة تمر وكأس من ماء زمزم ونفحة من طهارة البيت العتيق الذي طاف حوله.. فبالنسبة للجميع تعتبر زيارة الحاج طقس يحرص اهلنا على التبارك بتاديته وجدانيا.

في بلادنا يعمل جميع من لا زالوا يؤمنون بهويتنا الاسلامية بصدق على تقوية عرى التكافل والمحبة وتعميق الصلات وإحياء العادات والاعراف التي وحدت مشاعر الناس وحافظت على روابطهم وقيمهم وافكارهم وممارساتهم.

في اوائل الستينيات من القرن الماضي كان الاعداد للحج يبدأ قبل الموسم بشهور.. وكان من ينوي الحج يطوف على بيوت القرية بيتا بيتا يسدد ما عليه من ديون ويعترف بما ارتكبه من أخطاء ويطلب السماح من كل فرد من أفراد القرية التحضير للحج موسم للاعتراف ومناسبة للإصلاح ودعوة للسلام والتسامح وفي بعض الاحيان يقدم الرجال والنساء العازمون على الحج وصاياهم ويعلنوا التزاماتهم ويصفروا خلافاتهم مع كل اقاربهم ومعارفهم وجيرانهم.

بعض الميسورين يقيمون ولائم يدعون عليها الجميع ويطيبوا خواطر اهل القرية والبعض يقدم للحجاج النقوط الذي قد يبادله الحاج بهدية قيمة.

في الطفيلة كان الحاج عبدالحفيظ الخوالدة يجهز الشاحنة التي تنقل الاسمنت ويحولها مع كل موسم حج الى حافلة لنقل الحجاج. كل ما يقوم به الحاج عبد الحفيظ لا يتعدى تركيب كراسي على أرضية صندوق الشاحنة وتغطيتها بشادر. ولا اظن ان هناك نوافذ او زجاج يمكن ان يرى من خلاله الحجاج الخارج.

كنا نزين مداخل القرية بالدفلى والغار وكل ما تقع عليه ايدينا من اغصان وخضرة. عودة الحجاج تشحن المكان بطاقة إيجابية واحساس روحاني فيه من السمو ما يكفي ليعلق بروحك مدى الحياة.

في قرانا كانت هدايا الحجاج تكتسب قيمة عالية تعلو على كل ما يملكه الفرد من المقتنيات التي ابتاعها من الأسواق المحلية.. فلهدايا الحجاج قيمة روحية تضاف الى قيمتها المادية وهي بمثابة عربون امل على ان يكون للمهدى له نصيب في حج السنوات القادمة ...

جهاز الترانزيستور...وسجاد الزينة و سجاد الصلاة والحرامات والدشاديش والعباءات الرجالية والحطات البيضاء والعقل والشراشف والبخور والحنا والمسابح الطويلة والمتوسطة والقصيرة بعض من الهدايا التي كان يأتي بها الحجيج قبل ازدهار الصناعات الصينية وغيرها للأسواق...

في فترات لاحقة ظهرت صناديق الصور والحمى الناطقة لتعليم اللغة العربية باللهجة الصينية وظهرت بعض الألعاب المضيئة التي يفرح بها الاطفال وتشغله لبضعة ايام قبل ان تتعطل او تتلف تماما.

قطع السجاد الأحمر المربعة تهدى للعرسان الجدد والشراشف لزوجات الابناء وسجادات الصلاة والمسابح وقليل من الحنا والتمر للعائلات القريبة من الحجاج اما بقية المهنئين فيقدم لهم مسبحة من الدرجة التي تناسب مكانتهم مع قليل من التمر وسجادة صلاة.

تحتفظ الحجات بالحنا لافراح الاسرة وحفلات زواج البنات والحفيدات ويمزجنه بماء زهر الخزاما وبعض الوصفات المتوارثة .
في سنوات خلت ظهر فيديو لإحدى الحجات التي اشتطات غضبا بعد ان عرفت بتصرف زوجة ولدها بالشرشف الذي احضرته لها كهدية من الديار المقدسة ..

انفعال الحماة وغضبها عكسا الأهمية التي يضفيها الحجاج والمعتمرين على الهدايا التي ياتوا بها للاقرباء في تحديد مستوى وعمق العلاقة والتأكيد على الحب وعرض لخريطة العلاقات الاجتماعية ومستوى قوتها وعمقها.

في قريتنا كان الحج مناسبة لإعلان التوبة والتغير في مواقف وممارسات من أرادوا تغيير كيف يراهم الاخرين في محيطهم الاجتماعي...

قبل أربعة عقود ويزيد فاجأ احد اقاربي الجميع بالتوقف عن نمط حياته المتحرر ولكي يدلل على صدق نواياه اعلن عن نيته الحج ..لم يصدق أهالي القرية الخبر إلى أن غادر قريبنا القرية وتمم المناسك وعاد ليستمتع باللقب الجديد ونشوة التوبة وسلسلة العزائم والولائم التي اقامها كل واحد من اقاربنا له....

في سنوات لاحقة سألت الحج الجديد عن خبرته قبل وبعد الرحلة فاجاب ببرود وحكمة لسنوات كان عليي ان ادافع عن كل ما اقوم به وان اشرح واحاور واقنع هذا وذاك بصدق نيتي وقصدي .وقد لا يصدقوا فقد كنت دوما في قفص الاتهام ...اما اليوم فيكفي ان يناديك الناس باسم الحج عندها يصبح كل شي مقبول وتصبح محصن السمعة والسيرة و لا أحد يسألك لماذا عملت كذا وكيف.....

لجميع اقاربي الذين عادوا من الحج وسائر الحجاج...حجا مبرورا ..وسعيا مشكور..





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :