facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




درب شريان الحياة الى افارة


عبدالرحيم العرجان
24-06-2024 11:08 AM

في ذلك الفضاء الفسيح الذي يشد الناظرين بدأ مسارنا بالطريق للعقبة و وادي رم الغربي لرأس النقب بدرب حيث سار قادة وملوك محاذيا لأهم مشاريع الحصاد المائي النبطي راوي العطاش وساقي الزروع على الطريق القديم الواصل إلى آيلا.

مع الخيوط الأولى للفجر انطلقنا بمسارنا من رأس النقب للغرب من تقاطع الراجف بملتقى الطريق الملوكي مع الطريق الصحراوي عبر مسلك ترابي ما بين درب تراجان التاريخي الواصل إلى آيلا "العقبة" وقناة الحميمة أكبر مشاريع الحصاد المائي بتاريخ المملكة العربية النبطية بأمر من الملك الحارث 87 – 62 ق.م حين أنشاء مدينة بوحي من الآلهة في أرض بيضاء فكانت حوارا " افارا" المستمد اسمها من صفة المكان كما أورد المؤرخ البيزنطي أورانيوس، فهذا الصفاء جاء بعد أن جف البحر القديم وانحسر مخلفا قباب ورواكد رملية غنية بخام الكوارتز والسيليكا، تشد العابرين بطريقهم نحو ثغر الأردن الباسم، وقلة من يعي ماذا تخفي غياهب المكان من أسرار وحكايات خلدها التاريخ.

كان الهدف من هذه المدينة الواقعة على مفترق طرق القوافل هو السيطرة التامة على طريق التجارة والتحكم بها، ولتحقيق ذلك يتوجب توطين أهل البادية هناك وتحفيزهم على الاستقرار والزراعة والمستوجب توفر شريان الحياة وعمادها وهو الماء، فما كان ذلك يتم إلا بجر الماء عبر قنوات من عيون ثلاث تنبع من الجبل وهي عين الجمام والقناة والشراة بهدف الشرب والرفادة وري المزروعات بعد استصلاح الأراضي الخصبة مكرسين خبرتهم باستصلاح أراضي الشوبك والبيضاء وما حول مدينة الرقيم.

طريقنا سهل بمستوى هبوط معتدل المسير متجها بشكل مباشر نحو جبال الشراة في الغرب والفاصلة بيننا وبين وادي عربه وما بينها مساحات كانت تحط بها القوافل والفيالق والرحال بنقطة التقاء الطرق بين الجزيرة العربية واليمن ومصر عبر سيناء المتجهة إلى بيت المقدس والبتراء وبصرى وتدمر والحجر وتيما محملة بالتوابل والبخور والنفائس والحرير، يقودها سادة الأقوام وكبار تجارهم، وها نحن اليوم نسير على نفس الدرب الذي مشى عليه فرعون مصر تحتمس الثالث عندما جاء زائرا للملك المؤابي كمشيت ابن ميشع 1200 ق.م مكرما إياه بمسلة صورة الملك يتسلم الصولجان من الآلهة المصرية وخلفه حاتور آلهة السماء والحب والجمال المعروفة بمسلة البالوع قرب الكرك المصانة بعرضها بمتحف الأردن بعمان.

وفي قلب الجبل وبين جانبيه بلغنا أول الحصون، وقد تعددت فيه أساليب العمارة وإعادة البناء والإستزادة بموقع مشرف على كامل الطريق وحولة عدد من الجروان نقبت في الصخر ،منها ما كان يستخدم لإشعال النار وأخرى ملساء كانت بهدف الهرس والطحن، فلم نبرح المكان إلا بأخذ صورنا مع الأفق البعيد، لتبدأ بعدها معالم القناة بالظهور بشكل واضح وبمسافات متواصلة دون انقطاع على كتف الطود المقابل وشكله الحاد يثير الدهشة بأي إرادة كانت لهم وبأي إصرار تحلوا به لتحقيق الهدف الذي يمكن أن يكون كمادة دراسية متكاملة لإدارة المشروع و تنفيذ الأهداف حين وضع أجدادنا المبادئ لهذه المشاريع التنموية العملاقة، وكم احتاج هذا المشروع البعيد الرؤيا من مهندسين ذوي الخبرة وأيدي عاملة محترفة عملت جاهدة بأصعب الظروف لتحقيق سيادة الدولة.

وبناء جسور وقناطر وجدران استنادية احتاج لإتمامها لبلوغ الحميمة، وبطرق مختلفة مابين أحادية أو ثنائية المجرى المسقوف للتكيف مع كمية المياه الموسمية مع اختيار درجة ميل ملائمة لضمان انسيابها باعتدال دون تسارع وطليها بالجس والملاط كي لا تتسرب نقطة ماء واحدة تذهب هدرا من بين الحجارة أو تشوبها شائبة ،في حين أن بعض المناطق احتاجت إلى أنابيب فخارية، تناوب على ترميمها وصيانتها من حكم المكان من الرومان بعد أن فرضوا سيطرتهم على بلاد الأنباط عام 106 م بنهاية حكم الملك النبطي رب أيل على يد إمبراطورهم تراجان والذي أعاد تمهيد الطريق ورصفها وصولا إلى بصرى الشام لضمان تجارة دولته وسهولة انتقال جيوشة التي دام حكمها لغاية عام 324 م ودخول نفوذها للحكم البيزنطي المسيحي، لغاية القرن السابع بعد أن ابتاع الخليفة علي بن عبدالله العباس المدينة وبنى فيها قصرا ومسجدا وغرس قرابة 500 شجرة إضافة لما فيها ،فكانت تروى من ماء القناة ومن أنظمة الحصاد المائي النبطية الأصل والفكرة، ليعجب بها خلافاء الدولة العباسية كأبو جعفر المنصور والخليفة الأول أبو العباس السفاح والسجاد وغيرهم من القادة وأصحاب الرأي بإنشاء الدولة في العراق، وتم ذكرها بمراجع ابن عسكر والطبري وغيرهم من الرحالة والمؤرخين الثقات، ليغيب دورها السياسي ويتقلص ناتجها الإقتصادي بعد ارتحال بني العباس إلى بلاد الرافدين وإنشاء خلافتهم ببغداد إلا أنها لم تهجر فقد بقيت قلب الطريق ومفترق قوافل الحج والتجارة بين بلاد الشام والحجاز.

وصلنا عين القناة المتفجرة من بين الصخر الجيري ومنها قمنا بالتزود بماء إضافي وعمل فنجان قهوة بالقرب من بركتها المحاطة بالأشجار والخضرة وبالمقابل بساتين ومدرجات الزيتون والتين وكرمة إلى جانب بيوت تراثية هجرت منذ زمن ليس ببعيد، وبعد استراحتنا أخذنا طريقنا لاستكشاف منابع عين الجمام والشراة.

استكملنا طريقنا مابين كثبان الرمل الذهبية وقباب بيضاء وخرب وآثار لحقب وحضارات وممالك مختلفة الفرق بينها أسلوب تشذيب الحجارة وطراز بنائها، وصولا إلى مضافة مختار العباسية أبو صباح الرجل الفاضل الحكيم صاحب البيت المفتوح لكل من يزور المكان والذي عاصر بعثات التنقيب المحلية والدولية والدلالة والإرشاد السياحي، وحملة ختم المكان لمرحل من درب الأردن فإن أردت أن تسمع قصة المكان فهو خير منهل لذلك، وهنا نكون قد أتممنا مسارنا بقطع مسافة 28 كلم بسلام.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :