فساد الاداء الحكومي .. ضعفه وابرز اسبابه ودلالة قيمة الراتب الى فعلية الراتب
د. أسامة غزال
23-06-2024 12:48 PM
دعا جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين حفظه الله و رعاه إلى نشر استراتيجيات فعالة لمكافحة الفساد منذ بداية العقد الماضي. في حين تم الكشف عن ردود الفعل الحكومية الأولى على رؤية الملك في عام 2011 مع إطلاق مشروع التوأمة الممول من الاتحاد الأوروبي (رقم 2011/276-118)، والذي أعقب ذلك قيام الحكومة ببناء إطار قانوني وسلطات راسخة، ونفذت سياسات مكافحة الفساد.
وتتماشى جهود الأردن في مكافحة الفساد بشكل أساسي مع المعايير الدولية ليكون أحد رواد المنطقة في مكافحة هذه الظاهرة الضارة. لذلك، تهدف الاستراتيجية الوطنية الأردنية لمكافحة الفساد إلى تحقيق الرؤية التالية "لدى الأردن جهاز فعال لمكافحة الفساد قائم على علاقة ثقة بين القطاعين العام والخاص والمواطن".
ومع ذلك، وبصرف النظر عن توافر الموارد الطبيعيه والبشريه وثروة المجتمع، فإن فعالية أداء الحكومة هو أساس رضا المجتمع في أي بلد، والذي يمكن الحكم عليه من خلال مستوى أداء نظام الإدارة الحكومية وليس من توافر الموارد نفسها حيث كثيرا ما قد تكون الموارد متواجده وبوفرة و لكن سوء الاداره يحول دون تحقيق الرفاه والرضا.
حيث تظهر معظم الخدمات التي يراها المواطنون يوميا أداءا حكوميا جيدا او غير جيد بحسب فعاليه وجودة الخدمه التي تعكس كفاءة الاداء الحكومي، مثل الخدمات الصحيه وتوفير المياه الكافية والمستدامة لكافة الاستخدامات ، وأنظمة الصرف الصحي ، وجمع القمامة ، وصيانة الطرق ، والحافلات وخدمات النقل العام الأخرى ، والمكتبات ، والشرطة والحماية من الحرائق.
وكل ذلك سيؤدي الى تأثير فاعل اقتصاديا واجتماعيا على البلاد وينعكس على تصنيف الرفاه والسعاده والرضا وجودة طبيعة الحياه و استقطاب البلد للاخرين. فهي تزيد من فرص الحصول على الرعاية الصحية والعقلية.وتقديم مساعدة مباشرة للمسنين غير القادرين على رعاية أنفسهم.
لذا فإن الحكومة ذات الأداء الضعيف تقدم القليل جدا مقابل الكثير من المال. الفشل والأعطال وسوء ادارة الموارد وضياع الجهود والازدواجيه بالعمل وزيادة نسبة الهدر من اموال و وقت وموارد هي مصدر قلق شديد لاي دوله ،.بالإضافة إلى ذلك ، وكما قا ل Klitgaard (2005) ، فإن المنظومات التي لا تتماشى بشكل جيد مع غرضها واهدافها، والإجراءات المكسورة (الفاسده) لاختيار القادة ، وأنظمة الحوافز غير الفعالة أو المنحرفة هي الأسباب العميقة لضعف الأداء.
وقال السناتور الأمريكي دانيال ك. أكاكا: "تأتي القوى العاملة القوية من وجود الأشخاص المناسبين ذوي المهارات المناسبة في المكان المناسب في الوقت المناسب. عندها فقط ستعمل اي حكومة بطريقة فعالة وكفؤة واقتصادية". لذلك ، يمكن أن يرتبط الأداء الضعيف بأسباب مختلفة تفتقر إلى الكفاءة والفعالية الإدارية. عادة ما يتم تعيين الرؤساء من قبل البيروقراطيين أو التكنوقراط الذين ليسوا من القطاع المدار(ممن يفتقرون للخبره والمعرفه المباشره) .
النصف الثاني عنوان المقال متداخل مع النصف الاول الذي اوضحت ان الخلل الابرز في كثير من دول العالم الثالث الذي يؤدي لاستمرارية الفساد رغم قصص عزل فلان او فلانه من المنصب هو ببقاء ارثهم وما افسدوا وبقاء شللهم المسيطره وغير المتابعه والتي تعمل بالتضييق على الكفاءات واقصائهم لاسباب مناطقيه او انهم لا يتبعون لمنظومه معينه مستأثره بالصلاحيات او ترى نفسها الاحق او عدم الرغبه بتحقيق اداره شفافه فاعله ورفض ان تؤول الامور لمن يرونه عائقا لمنظ مخافة سيطرته المستحقه عن جداؤره وكفاءه وانتماء حقيقي نظرا لعلمه او اقتداره وربما ان كثير من المسؤولين يخشون من يرون به سارقا للاضواء ليس لوسامته او جماله لكن لوضوح ادارته و شفافيته وتحقيقه للعداله ونبذه اساليب الاداره الاقصائيه وخلق اجواء طارده للكفاءات و منهجيته الصالحه.
ورغم معرفة اصحاب القراران هذا الاقصاء سيضعف الاداء ويقلل من شعور الانتماء ويكون ما جرى لصاحب الكفاءه من اذى محفزا للسلبية بين باقي الموظفين وكل هذا السرد يؤدي بنا للدخول للشطر الثاني االذي يدور حول الراتب الإجمالي مقابل القيمه الفعليه او السوقيه للراتب وانعكاس ذلك على كفاءة الاداء.
الراتب الإجمالي للموظف هو ما يكسبه قبل خصم الضرائب و رسوم التامين والخصومات الأخرى من راتبه. بينما صافي الأجر هو المعروف غالبا باسم الأجر الذي يتم أخذه إلى المنزل ، هو المبلغ المتبقي بعد خصم جميع الاقتطاعات وفي الأردن معدل صافي الأجر النظري (كمتوسط صافي راتب شهري) (بعد الضريبة) 617.69 دولار أمريكي. لكن الامور ليست بهذه البساطه حيث بعيدا عن التعريفات النظرية ، يجب أن تتضمن المقارنة العملية والمنطقية متغيرات مختلفة ، مما سيقلل بالتأكيد من القيمة الحقيقية لصافي الدخل. وابرزها النقل والتوتر والوقت والجهد والاحترام في مكان العمل لللقب والمواهب والخبرات وكذلك منصبك. فالعوامل التي ممكن ان تقييس و تقيم صافي الراتب متعدده و متداخله وبحاجه لدراسات واقعيه ترفع لاصحاب القرار ليتبين لهم واقع الحال للموظف و القيمه الحقيقه لراتبه. وبالتالي منطقيا لابد من ان يهتم اصحاب الاختصاص بدلا من حساب صافي او الاجر او التعويض نظريا ، من خلال البحث عن مؤشرات لقياس صافي الراتب الحقيقي ووضع نماذج لقياس فاعلية الاجر كما هي متطلب ايضا وضع نماذج لقياس و تقييم كفاءة الاداء الحكومي.
عمليا سنجد انه ستتناسب الفجوة بين قيمة صافي الراتب الحقيقية المحسوبه من خلال نماذج قياس فاعلية الراتب وقيمته النظريه تناسبا طرديا مع درجة الفساد في أي بلد ، حيث ان وجود فرق أعلى بين قيمة الراتب الحقيقي الفعليه وقيمة الراتب النظريه بالتاكيد مؤشر على وجود خلل ناتج من فساد في ادارة الموارد وضعف بكفاءة هذه الاداره.
في دول العالم الثالث ، مع وجود مستوى عال من الفساد ، من المعتاد أن يحصل 90٪ من الموظفين على صافي أجرحقيقي فعلي أقل مما يعتقد أصحاب العمل او اصحاب القرار. نتيجة لذلك ، يسعى أصحاب العمل باستمرار إلى طلب المزيد وزيادة العئ الوظيفي مع توفير أقل العوائد كما هو حاصل ببعض القطاعات خصوصا الصحيه التي عليها ضغط لتجد ان الطبيب او الممرض يعمل باجور اقل بكثير من الدول المتقدمه لكن بساعات دوام واجهاد اكثر. لكن سواء بهذه القطاعات التي عليها ضغط عمل اوغيرها هناك فقط الموظفين الذين لديهم علاقات قوية والذين ينتمون إلى مجموعات مهيمنة أو فعالة ذات مصالح مشتركة يمكن تغطيتهم من خلال زيادة صافي دخلهم بشكل قانوني أو غير قانوني ووضع أسمائهم في أي لجان أو فرق عمل وعدد اللجان بتزايد طردي كبير حيث لا يوجد مشروع او مبادره الا ويتم تشكيل عدة لجان ممن يرضى صاحب القرار ان يتم تنفيعهم و لا يتم اختيار اعضاء هذه اللجان على اسس صحيحه بقدر ما هي الا صلاحيات ممنوحه لصاحب القرار دون تحديد ضرورة اشراك اصحاب الاختصاص وغالبا ان وجد بهذه اللجان اصحاب اختصاص يكونوا من اعمار كبيره ويتبعون لجهات تهم صاحب القرار الاستمرار بصداقتهم وليس لخدمة العمل بينما يتم اقصاء اصحاب الكفاءه الغير اصدقاء مع المسؤول.
ولا يكتفي الفساد لدى الادارات الفاسده بذلك بل يتعمدوا تجاهل اراء واقتراحات الكفاءات وحتى تظلمهم و محاولاتهم لرفع الظلم الواقع عليهم للضغط والاقصاء، وكذلك إاعلامهم بشكل علني او مبطن أن صاحب القرار لا يريد الاحتفاظ بهم، حيث يسعى لرؤيتهم غير مستقرين وظيفيا متوترين ولا يتم تمكينهم ولا خلق اجواء عمل مناسبه لهم، ليصارلتقييمهم بكل سلبيه . وهنا نقف عند نقطة انه عندما يتم اقصاء فاسد فلابد من اعادة النظر بكل قراراته و بالمجموعه و المنظومه التي اسس لها لخدمة افساده و دراسة حالة من قام باقصائهم كي لا يتم الاستمرار باقصائهم واشراك من بقي منهم صالحا اوما ينفع ومن لازال قادرا على الخدمة بالعمل و اتخاذ القرار.
نخلص بالنهايه ان الفساد باداء الحكومات لا تنفع معه زيادة ضخ الاموال والمساعدات والهبات و القروض او حتى بحالة الدول الغنيه بمصادرها الطبيعيه فان الفساد سيحول دون حياه رغيده للمواطنين و ان ابرز سمات الفساد اقصاء الخبرات و اصحاب المبادرات الخلاقه الحقيقيه وكثرة اللجان وجلسات الاجتماعات بقصد اضاعة الوقت وزيادة البروتوكولات الروتينيه وان زيادة اتساع الفجوه بين قيمة الراتب الحقيقيه الفعليه و القيمه النظريه يعطي مؤشر خادع لصاحب القرار و يكون من ابز مؤشرات وجود الفساد بالاداء الحكومي و اقصاء اصحاب القدره على الاصلاح والاداره القياديه الفذه. املين بتلبية دعوات صاحب الجلاله الملك عبدالله الثاني ابن الحسين بزيادة الكفاءه بالاداء الحكومي و دعم اصحاب الكفاءات الحقيقيه و محاربة اقصائهم من اتخاذ القرار و التقليل من ظاهرة الفساد واثاره.