هل كان بالإمكان تخطي إصدار قانون الجرائم الإلكترونية؟
أ. د. كامل السعيد
23-06-2024 09:51 AM
قبل الإجابة على هذا السؤال، كما وعدت، أجيب على سؤال آخر متعلقاً بالسؤال الأول، وهو سبب صدور هذا القانون في قانون خاص لا في قانون العقوبات العام.
يأتي ردي على شقين، يتمثل أولهما:
في أن قانون العقوبات العام يوضع بعناية فائقة تضمن له الثبات فلا يدخله تغيير إلا لضرورة ملحة، في حين يتمثل ثانيهما في أن نصوص قانون العقوبات العام يقتصر على المصالح الثابتة، أما المصالح الطارئة أو المتغير فتحميها قوانين تكميلية( ).
نخلص من كل ما تقدم، إلى أن الصلة قوية جداً بين قانون العقوبات العام وقانون العقوبات الخاص صلة الابن بالأب حيث تنتقل جينات الأب إلى الابن، ولهذا فإنه يتعين الرجوع إلى قانون العقوبات العام لسد كل نقص واستجلاء كل غموض ينتاب قانون العقوبات الخاص المتمثل في قانون الجرائم الإلكترونية، كما يعتبر قانون أصول المحاكمات الجزائية هو القانون العام الواجب الرجوع إليه لسد كل نقص واستجلاء كل غموض ينتاب أصول قانون الجرائم الإلكترونية.
وتطبيقا لذلك نصت المادة (3/2/أ) من قانون أصول المحاكمات الجزائية على أنه: "يسقط الحق العام في تقديم الشكوى أو الادعاء بالحق الشخصي بعد مرور ثلاثة أشهر من تاريخ علة المجنى عليه بوقوع الجريمة، وعلى أثر لهذا السقوط على الحقوق المدنية للمجنى عليه".
كما نصت الفقرة (ب) من البند رقم (2) من المادة (3) على أنه: "إذا لم يقم المشتكى عليه لمتابعة شكواه مدة لا تزيد على ثلاثة أشهر، فعلى محكمة الصلح إسقاط دعوى الحق العام تبعاً لذلك".
وما أشرت إليه في المادة (3/2/أ) وما ورد في البند رقم (2) من المادة (3) ينطبق في رأيي على جرائم الذم والقدح والتحقير المنصوص عليها في المادة (15) من قانون الجرائم الإلكترونية.
أعود الآن للإجابة على السؤال الأول بخصوص ما إذا كان من الممكن تخطي إصدار قانون الجرائم الإلكترونية أو الاستغناء عنه؟
أجيب قائلاً دون مجاملة لأحد، لأنني أخذت على نفسي أن لا أجامل كائناً من كان على حساب العلم والمعرفة القانونية، أنه وبالنظر للتطور السريع في مجال تقنية المعلومات التي لا ينكر أحد ما تقدمه للمجتمعات كافة، خاصة بعد اتساع دائرة استخدام الشبكات الدولية للمعلومات كوسيلة اتصال في شتى مجالات الحياة، لتحقيق ما تصبو إليه الإنسانية من اختصار للوقت والمسافات والجهد البدني والذهني، بالإضافة إلى ما تحويه هذه الشبكات من معلومات غاية في الأهمية لا تقع تحت حصر، تتعلق بكافة ميادين الحياة الشخصية والاجتماعية والعلمية، يتعين حمايتها بضوابط تشريعية، ناهيك عن أن الاستخدام المتزايد لهذه الوسائل الالكترونية من شبكات معلوماتية وما يماثلها من وسائل التواصل الاجتماعي، أدى إلى كثير من المخاطر، ومن بينها أنواعاً جديدة من الجرائم التي يطلق عليها جرائم معلوماتية كجرائم السرقة المتعلقة بموضوع سرقة المعلومات أم بغيرها، وخيانة الأمانة والاحتيال والتزوير والابتزاز والتهديد والذم والقدح والتحقير، وغيرها الكثير من الجرائم التي تمس الحقوق العامة والخاصة، كل ذلك أوجب على المشرع إصدار قانون الجرائم الإلكترونية رقم (17) لسنة 2023 لمواجهة تلك الجرائم وحماية الحقوق.
ولكن هذا لا يعني، ولا يجب أن يعني أن هذا القانون قد بلغ مرحلة الكمال، فله ما له وعليه ما عليه، واعداً بالتطرق لكل ذلك في الفصل الأول من مؤلفي الذي وعدت به حال إنجاز الإجراءات المتعلقة به إن شاء الله