الأحزاب تتنافس ولا تتواجه
د. اسامة تليلان
23-06-2024 01:44 AM
لم أسمع في إطار حزبنا كحزب ديمقراطي ولا في إطار تحالفاتنا الانتخابية أننا انسعى الى مواجهة أي تيار أو حزب سياسي وهذا لم يرد في أدبياتنا ولا في نظامنا الأساسي ولا في نقاشاتنا الداخلية.
لإنه بكل بساطة لفهمنا للديمقراطية ومآلتها العالمية ندرك أن زمن المواجهات الحزبية على أساس العناوين العريضة الفضفاضة انتهى وحل مكانه زمن آخر يعتمد البرامج والسياسات والمبادرات والخبراء. ويعتمد الشراكة في تبادل الأدوار داخل البرلمان والسلطة من خلال صناديق الانتخاب بدل الشوارع والأقصاء.
الأحزاب اليوم، لا تقوم على منطق المواجهة مع بعضها البعض أو بينها وبين مكونات النظام السياسي، بقدر ما تعتمد منطق المنافسة على خدمة الصالح العام، وخدمة المواطن في ساحات الاقتصاد والصحة والتعليم والنقل ومضاعفة مصادر قوة الدولة وحفظ مقدراتها ... الخ، وكل ذلك يتم من خلال صناديق الانتخاب، ومن خلال القدرة على كساب عقول الناخبين واقناعهم بأي البرامج تحقق صالحهم والصالح العام.
اليوم ومنذ الموجات الديمقراطية التي اجتاحت العالم في العقود الماضية بات وجود التنوع في التيارات السياسية التي تحتكم للقواعد الديمقراطية ضرورة وليس ضرر، من أجل خلق التوازن في التعددية السياسية والبرامجية داخل البرلمانات، وهذه تشكل روح الحياة الحزبية والبرلمانية وتكسبها مضامينها الحقيقية في إطار النظام السياسي، وتجعلها تقوم بوظائفها بكل فعالية. وهذا ما سعت إليه منظومة التحديث السياسي في رؤيتها للأردن في مئويته الثانية.
هذا يعني، أن الناخب عندما يدلي بصوته في صناديق الاقتراع يكون قد صوت للأغلبية البرلمانية وللأقلية بنفس الوقت، وإذا كانت الأغلبية هي من سوف تشكل الحكومة البرلمانية فإن الأقلية البرلمانية هي من ستقوم بدور المراقبة على أداء الحكومة ومسائلتها وتحويل أي تجاوزات ترتكبها الى قضية رأي عام، لتكسب أصوات الناخبين في الانتخابات القادمة، وهذا جوهر روح البرلمانات والأحزاب.
هذه هي الآلية الديمقراطية التي تتحرك بموجبها قاطرة الأحزاب والبرلمانات والحكومات عندما يسعى كل منهم الى خدمة الصالح العام وخدمة قضايا المواطنين المركزية، حرصا على كسب أصواتهم في الانتخابات الجديدة.
المواجهة والمكاسرة وكل هذه المصطلحات لم تعد في قاموس العمل السياسي ولا الحزبي، بعد أن كانت عناوين لمرحلة قديمة تحجرت، وفي ظني أن الأحزاب التي تنتمي الى أفكار هذه الحقبة تحجرت كذلك أو في طريقها للموت البيولوجي، نحن اليوم ننتمي لشريحة زمنية سريعة التغيرات ولا يجدي معها سوى العلم والبرامج والانتاج والتقدم، والشراكات والمنافسات الايجابية على الصالح العام.
نحن نؤمن أننا بأمس الحاجة في بلدنا الى هذا التنافس الإيجابي على خدمة الصالح العام وإلى التضامن والتكامل في أداء ادورانا داخل البرلمان بين الأغلبية والأقلية البرلمانية، والى الحرية وقبول الآخر وأنسنة الأقتصاد في سعينا من أجل تعزيز العدالة الاجتماعية، للنهوض بالفئات المهمشة ومواجهة آفة الفقر والبطالة وتوسيع قاعدة الحماية الاجتماعية والصحية والتعليمية وتعزيز نمونا الإنساني والاقتصادي.
وهذا ما نسعى اليه في حراكنا الحزبي الديمقراطي ان نتنافس ونتشارك من أجل خدمة الصالح العام وتحسين نوعية الحياة وتعزيز مصادر قوة بلدنا.