هل تخلق السياسة الامريكية تحالفات دولية جديدة ؟
د. محمد حيدر محيلان
23-06-2024 01:00 AM
وقع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون، يوم الأربعاء الماضي اتفاقا يتعهدان به بالمساعدة المتبادلة إذا واجه أي من البلدين “عدوان”، وهو اتفاق استراتيجي يأتي في الوقت الذي يواجه فيه كلاهما مواجهات متصاعدة مع امريكيا والغرب وعزلة سياسية واقتصادية اثرت على البلدين بطرق مباشرة وغير مباشرة.
قد تمثل هذه الاتفاقية أقوى علاقة بين موسكو وبيونغ يانغ منذ نهاية الحرب الباردة. وقد وصف الزعيمان هذه الخطوة بأنها ترقية كبيرة لعلاقاتهما، بما في ذلك العلاقات الأمنية والتجارية والاستثمارية والثقافية والإنسانية. ويمكننا القول ان التقارب بين روسيا وكوريا الشمالية أثر بشكل كبير على الديناميكيات الجيوسياسية في المنطقة والعالم. مما قد ينتج عنه بعض النتائج الايجابية مثل زيادة تحسين التبادل التجاري والاستثمارات بين البلدين، خاصة في مجالات مثل الطاقة والبنية التحتية، وتعزيز التعاون العسكري ، والتبادل التقني في مجال الأسلحة والتكنولوجيا العسكرية، وزيادة الدعم الدبلوماسي ، المتمثل بدعم روسيا لمواقف كوريا الشمالية في المنتديات الدولية مثل الأمم المتحدة، ومجلس الامن ، والعمل سوياً على تقوية موقفهما السياسي المشترك. ثم قد يؤدي التقارب إلى تأثيرات على الأمن الإقليمي في آسيا الشرقية، بما في ذلك التوترات مع جيرانها ، كوريا الجنوبية واليابان، وعلى مستوى دولي ، سيكون للتقارب تاثير جلي على العلاقات الدولية الروسية الأخرى، بما في ذلك العلاقات مع الولايات المتحدة الامريكية والاتحاد الأوروبي اللذان سيأخذان هذا التقارب على محمل التهديد للهيمنة الامريكية العالمية والنفوذ الاروبي.
ولا شك ان هذا التقارب والاتفاقية بين البلدين سيكون لها تاثير سلبي على امريكيا واروبا وغيرها من دول العالم من عدة نواحي: فقد يؤدي التقارب بين روسيا وكوريا الشمالية إلى تعزيز التعاون في مجالات الدفاع والأمن، مما قد يزيد من التوترات الجيوسياسية في مناطق مثل شبه الجزيرة الكورية وشرق آسيا، مما يؤثر على الاستقرار في المنطقة. ومن ناحية اقتصادية قد يؤدي التعاون الاقتصادي بين روسيا وكوريا الشمالية إلى زيادة الضغوط على العلاقات الاقتصادية الدولية، خاصة إذا كانت هذه العلاقات تتعارض مع المصالح الاقتصادية للولايات المتحدة وحلفائها ، ويمكن أن يزيد التقارب من إمكانية ودعم انتشار التكنولوجيا النووية وقوة التسلح العسكري في كوريا الشمالية، مما يثير مخاوف من تفاقم التسلح النووي والتهديدات الأمنية لجيرانها مثل كوريا الجنوبية. قد يعزز التقارب الروسي الكوري الشمالي من العزلة الدبلوماسية للولايات المتحدة وحلفائها، ويقلل من فرص الهيمنة القطبية الدولية ، وفرص التعاون الدولي في قضايا مثل تغير المناخ ومكافحة الإرهاب.
وفيما تعهد الرئيس كيم بتقديم الدعم الكامل للحرب الروسية في أوكرانيا.فإن كوريا الشمالية يمكن أن تسعى أيضًا إلى زيادة صادرات العمالة إلى روسيا وأنشطة أخرى للحصول على العملات الأجنبية في تحدٍ لعقوبات الأمم المتحدة، وإنه من المرجح أن تكون هناك محادثات حول توسيع التعاون في الزراعة ومصايد الأسماك والتعدين ومواصلة الترويج للسياحة الروسية إلى كوريا الشمالية.
يمكن القول ان التقارب بين روسيا وكوريا الشمالية يمكن أن يؤدي إلى تغييرات جيوسياسية واقتصادية وأمنية تؤثر على العالم بأسره، وقد يعزز من التحديات التي تواجه السلام الدولي والاستقرار العالمي بسبب السياسة الامريكية والكيل بمكيالين فيما بتعلق بقضايا الاحتلال والاستيطان وحقوق الانسان والقتل والتشريد .
على أن السؤال الذي يطرح نفسه الان : هل يمكن للسياسة الأمريكية ان تكون دافعاً لتشكيل تحالفات دولية جديدة أو تعزيز التحالفات القائمة؟
الجواب ؛ نعم ، وعادةً ما تكون هذه التحالفات رد فعل على سياسات أو تحركات أمريكية تعتبر متطرفة أو مضرة بمصالح هذه الدول الوطنية أو الإقليمية. على سبيل المثال، في السياسة الحالية، يمكن أن تؤدي السياسات الأمريكية في المنطقة الآسيوية أو الأوروبية إلى تعزيز التحالفات الإقليمية لمواجهة أو تعزيز الضغط على سياسات الولايات المتحدة الامريكية، ومن التحالفات المتوقع نشوءها ضد امريكيا،التحالفات الاقتصادية: التي تنشأ بين دول أخرى تسعى للتعامل بشكل أكبر خارج نطاق النظام الاقتصادي الذي يفرضه الولايات المتحدة، مثل التعامل بالعملات البديلة أو تأسيس منظومات تجارية بديلة ، كالاتحاد الأوروبي (EU): قد يقوم الاتحاد الأوروبي بتعزيز الاستقلالية الاقتصادية عن الولايات المتحدة، مثل تعزيز استخدام اليورو كعملة دولية بديلة للدولار. كذلك قد تعزز الصين وروسيا التعاون الاقتصادي والمالي لتقوية موقفهما ضد الهيمنة الاقتصادية الأمريكية، مثل تبادل العملات وتوسيع التجارة بينهما باستخدام اليوان الصيني بدل الدولار الامريكي.
يمكن أن تتشكل تحالفات عسكرية بين دول تعتبر النفوذ العسكري الأمريكي تهديدًا لها، مثل دول الشرق الأوسط أو دول آسيا الشرقية. كمنظمة شنغهاي للتعاون (SCO): وهو تجمع وتحالفا عسكري واقتصادي بين الصين وروسيا ودول آسيوية أخرى، قد يكون له دور في تقليل النفوذ العسكري الأمريكي في آسيا الوسطى. ويمكن ان ينشط محور المقاومة في الشرق الأوسط ، الذي يشمل إيران وسوريا والحلفاء الإقليميين، ويهدف إلى مواجهة النفوذ الأمريكي في المنطقة ودعم حلفاء بديلين مثل روسيا والصين.
ثم هناك امكانية لنشوء تحالفات سياسية ودبلوماسية اخرى ضد السياسات الامريكية المتطرفة ، تهدف إلى تحقيق أجندات مشتركة بما في ذلك إدانة سياسات أمريكية معينة أو تعزيز الدور الدولي البديل ، مثل مجموعة العشرين (G20) التي قد تتبنى مواقف مشتركة للضغط على الولايات المتحدة في القضايا الاقتصادية والبيئية. والتحالفات الإقليمية الأمريكية اللاتينية قد تشمل دولًا مثل فنزويلا وكوبا والبلدان اللاتينية الأخرى التي تسعى لتعزيز الاستقلالية السياسية عن الولايات المتحدة.
يمكن أن تتشكل تحالفات إقليمية اخرى تهدف إلى تعزيز الاستقلالية السياسية والاقتصادية على حساب النفوذ الأمريكي في تلك المناطق، كمنظمة التعاون الاقتصادي (OPEC): يمكن ان تشكل الدول النفطية تحالفات لتحسين سيطرتها على أسواق النفط والغاز دون تأثيرات السياسة الأمريكية. ويمكن للاتحاد الأفريقي ان يسعى إلى تحقيق الاستقلالية السياسية والاقتصادية في قارة إفريقيا من خلال تحالفات إقليمية سياسية ودبلوماسية قوية مستقلة للتأثير في المنظومة الدولية والتصدي للسياسات الأمريكية على الساحة الدولية.
تحالفات امريكا
لدى الولايات المتحدة اتفاقيات دفاع جماعي مع ست دول في منطقة آسيا والمحيط الهادئ: كوريا الجنوبية واليابان وأستراليا ونيوزيلندا وتايلاند والفلبين.
** الكاتب استاذ ادارة - في معهد الادارة العامة- الرياض