الجمعة العظيمة! * حلمي الأسمر
حلمي الأسمر
22-04-2011 04:38 AM
يوم الجمعة في الميراث المعاصر لكثير من العرب، يوم للتمطي، والاحتشاد أمام المطاعم الشعبية الشهيرة، للظفر بصحنيْ فول وحمص (وربما فتة حمص أيضا، أو قدسية ومسبحة!) كما يُعتاد أن تشهد بعض المخابز، خاصة في الأحياء الشعبية «تظاهرة» من نوع آخر، تظاهرة لعمل مناقيش الزعتر والبيض، حيث ترى الرجال والنسوة والأطفال، وقد حمل كل منهم صينية عليها عبوة زيت وزعتر وبعض البيض، بانتظار أن يأتي دوره لعمل المناقيش الشهية.
ويوم الجمعة أيضا، في الميراث ذاته، لدى الأسرة التي تمتلك سيارة، مناسبة للشطحة، أو الرحلة، والهروب إلى أحضان الطبيعة، بعد أخذ ما يلزم من معدات شي اللحم، إن تيسرت طبعا، وغالبا لم تعد تتيسر، فقد استبدلت عائلات عادة شي اللحم الذميمة، بطنجرة الكوسا المحشي، أو المقلوبة، بعد أن تعسر الحصول على اللحم لدى كثير من العائلات.
كل هذه التقاليد اختلفت إلى حد كبير، فقد أخذ يوم الجمعة أسماء وتقاليد أخرى، وتم شحنه بقدر هائل من المعاني الجديدة، فجمعة الكسل والتمطي والفول المدمس والرحلات، وشمات الهوى، غدا لها أسماء أخرى، بالغة الدلالة، مثل جمعة الاحتجاج وجمعة الغضب، وجمعة المعتقلين، وجمعة الحسم، وجمعة الرحيل، وما بين هذا وذاك، أسماء أخرى للجمع، يفصلها كل مجتمع عربي على مقاسه، بعد أن قامت قيامة العرب، في ربيعهم الفريد المجيد، فخصصوا يوم الجمعة لممارسة عادة «الاحتجاج» والثورة والتظاهر والاعتصام، بحثا عن مطالبهم.
اليوم له طعم آخر، فهو جمعة الآلام أو الجمعة العظيمة، وهو يوم مقدس لأتباع المسيح، وهو يوم الجمعة التي تسبق عيد القيامة في أسبوع الآلام. وهي ذكرى «صلب» المسيح، أو ما شبه لهم أنه المسيح، غالبية الكنائس المسيحية ترى أن صلب المسيح وموته ومن ثم قيامة المسيح في اليوم الثالث هي تحد للموت وانتصار روحي عليه.
في فلسطين مسقط رأس المسيح وكذلك في البلدان العربية الأخرى، تعرف المناسبة بـ «الجمعة العظيمة». في الدنمارك والنرويج والسويد وفنلندا وايسلندا، يسمى هذا اليوم بـ «الجمعة الطويلة». وتسمى أيضا بالجمعة الحزينة. وفي الإنجليزية يسمى بـ «Good Friday».
النصارى في أغلب الدول يقومون بالصيام في هذا اليوم. وكما هو الحال في بعض الدول ذات الغالبية المسيحية العظمى، فإن هذا اليوم هو عطلة رسمية لأغلب الدوائر الحكومية. وفي بعض الدول المسيحية (مثل ايرلندا) يتم منع بيع الكحول في هذا اليوم.
في الإسلام، يوم الجمعة له فضل وخصوصية على سائر الأيام، وقد جاء في فضل هذا اليوم عدّة أحاديث ومنها، قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ فِيهِ خُلِقَ آدَمُ وَفِيهِ أُدْخِلَ الْجَنَّةَ وَفِيهِ أُخْرِجَ مِنْهَا ) رواه مسلم (الجمعة/1410).
ومن الأحاديث التي فيها بيان أجر هذا اليوم ما رواه مسلم أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (الصَّلوات الْخَمْسُ وَالْجُمْعَةُ إِلَى الْجُمْعَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُنَّ مَا لَمْ تُغْشَ الْكَبَائِرُ) وجاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال فيما رواه البخاري عن يوم الجمعة (فيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم وهو قائم يُصلي يسأل الله شيئاً إلا أعطاه الله) وقال: (التمسوا الساعة التي ترجى في يوم الجمعة بعد صلاة العصر إلى غيبوبة الشمس ) رواه الترمذي وحسنه الألباني.
يوم الجمعة، أصبح يوم قيامة العرب، في ربيعهم الممتد كما يبدو طيلة هذا العام، فليت كل الأيام يوم جمعة، على ما فيه من خير، دنيا ودينا.
(الدستور)