حظيت الدراما الأردنية قبل عقودٍ مضت بترحابٍ عربيٍ كبير، كان فيها الإنتاج الفني الأردني في قمّة أوجه وازدهاره، وبدل مواكبة متطلبات العصر، والانتقال بالدراما الأردنية إلى آفاقها الجديدة، راوحت الدراما مكانها حتى كادت تتلاشى، متناسيةً القول الشهير "من لا يتطور ينقرض".
لم تستفد الدراما الأردنية من كفاءاتها الكبيرة، فرأينا نجومًا أردنيين على شاشاتٍ أخرى، مثل الفنان إياد نصّار والفنان منذر رياحنة، اللذين أصبحا من المشاهير خارج الأردن، كما لم نستفد من طاقات الفنانين السوريين الذين انتقلوا بالدراما السورية بسرعةٍ مدهشة، حتى دخلت الدراما السورية كل بيتٍ عربيٍ، على الرغم من إمكانية استثمار كثيرٍ من طاقاتهم الإبداعية التي تلقّفها الأشقاء في مصر، فبنوا عليها واستثمروها، فصرت ترى الأردني والسوري في الدراما المصرية، ما أعطاها آفاقًا جديدة، وحضورًا اكبر، ومشاهداتٍ أكثر على الشاشات العربية.
الدراما الخليجية أيضًا انتبهت لهذا الأمر، فاستقطبت الكثير من الفنانين العرب، وتوسّعت وتطوّرت حتى دخلت هي أيضًا كل البيوت العربية، فيما بقيت الدراما الأردنية في عباءتها القديمة التي تكاد تنحصر في قصة حب بدوية بين الفارس وابنة الشيخ تنتهي بالزواج، أو فلاحٍ تسرقه المدينة، فيبيع أرضه، وينفق ثمنها في الملاهي، ثم يجلس على "الحديدة".
صحيح أنّ الدراما تعتمد بشكلٍ أساس على إنتاج القطاع الخاص، لكنّ القطاع الخاص يحتاج إلى التشجيع من القطاع العام كي يبدأ الاستثمار في الدراما، وذلك عبر شراء ما ينتجه القطاع الخاص من دراما وطنية، بأسعارٍ تقترب من تكلفة الإنتاج، على الأقل في البدايات، أو عبر البدء بإنتاج الدراما العصرية والاستثمار فيها.
بالتأكيد لن يتأتّى الأمر بسهولة، إذ إنّه يحتاج قبلًا إلى الاستثمار في الطاقات البشرية، فما الذي يمنع من إيفاد الكفاءات في بعثات إلى المعهد العالي للفنون في مصر؟؟ وما الذي يمنع من ابتعاث المهتمّين بالإخراج في دوراتٍ أو بعثاتٍ دراسية إلى المعاهد والدول التي تشتهر بذلك ؟؟.
الأردن مليئة بالكتّاب القادرين على كتابة دراما حديثة وعصرية، لكنّ الكتابة وحدها دون ممثلٍ ومخرجٍ ومنتج قدير لن تعود بالفائدة، ومعلومٌ أنّه كلّما كانت العناصر الفنيّة قوية فإنّ الكتابة ترتقي إلى لتكون أقوى.
بناء الطاقات والكفاءات البشرية من مستلزمات الأمن الثقافي في كافة المجالات، وهي صناعة حقيقية، واستثمار مهم وكبير، لا لجهة دوام الحضور أو معالجة القضايا الاجتماعية من خلال الدراما وحسب، بل أيضًا لجهة الاستثمار المالي والدخل القومي التراكمي مع باقي القطاعات الرافدة.
* رئيس رابطة الكتّاب الأردنيين السابق