أعباء الرجولة والعنف الأسري .. وجهان لعملة واحدة
د. أحلام ناصر
20-06-2024 05:03 PM
في مجتمعاتنا الحديثة، يواجه الرجال تحديات كبيرة في تكوين الأسرة والحفاظ عليها، مما يزيد من الضغوط النفسية التي قد تؤدي إلى العنف الأسري. عندما نحلل هذه المعاناة، والأعباء التي فرضتها العادات والتقاليد المجتمعية المتنوعة، نجد أن الضغوط الاقتصادية، والتوقعات الاجتماعية، والتحديات العاطفية والنفسية، وصعوبة التوازن بين العمل والحياة، يمكن أن تخلق بيئة تزيد من احتمالية حدوث العنف داخل الأسرة.
تلعب الضغوط الاقتصادية دورًا كبيرًا في توتر العلاقات الأسرية. مجرد التفكير في الزواج يمثل عبئًا اقتصاديًا هائلًا على الرجل، خاصة في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة وارتفاع تكاليف المعيشة. يُتوقع من الرجل غالبًا تحمل تكاليف الزفاف، وتأمين مسكن مناسب، والظهور بمظهر مالي لائق قد يتجاوز أو يضاهي أوضاع العروس المالية. هذه التوقعات تضع الرجال تحت ضغوط نفسية شديدة، كما يتطلب منهم ايضا تأمين دخل ثابت وكافٍ لأسرهم. في بعض الحالات، يمكن أن تتحول هذه الضغوط إلى عنف لفظي أو جسدي تجاه أفراد الأسرة.
كما ان التوقعات الاجتماعية تفرض على الرجال أدوارًا محددة، مثل المعيل الوحيد والحامي للأسرة، مما يشكل عبئًا كبيرًا في ظل تحديات سوق العمل وعدم الاستقرار الوظيفي. عندما يشعر الرجال بعدم القدرة على تلبية هذه التوقعات، فإنهم غالبًا ما يشعرون بالإحباط والغضب، مما يزيد من احتمالية تصاعد العنف الأسري. تشير الدراسات إلى أن الرجال الذين يعانون من الفشل في تلبية التوقعات الاجتماعية يشعرون بتآكل مظاهر الرجولة لديهم، مما يؤدي إلى زيادة مستويات التوتر والعنف المحتمل تجاه الأسرة.
تشجع الثقافة الذكورية التقليدية الرجال على كبت مشاعرهم وعدم التعبير عن ضعفهم، أوحاجتهم للدعم النفسي، مما قد يؤدي إلى مشاكل نفسية مثل الاكتئاب والقلق. هذه المشاكل قد تتفاقم وتتحول إلى عنف داخل الأسرة. تشير الدراسات في مجال العنف الأسري إلى أن الرجال أقل طلبًا للمساعدة النفسية مقارنة بالنساء، بغض النظر عن العمروالثقافة، وذلك يعود إلى نظرة المجتمع وتوقعاته منهم.
يعد التوازن بين العمل والحياة تحديًا كبيرًا للرجال ايضا. ان الضغوط المتزايدة في العمل ومتطلبات الأداء المهني، وساعات العمل الطويلة يمكن أن تؤدي إلى إرهاق وإجهاد شديدين، مما يقلل من قدرتهم على الوفاء بكافة الواجبات الأسرية والاجتماعية المتوقعة منهم. هذه الضغوط المستمرة تؤدي إلى تدهور الصحة النفسية وزيادة التوتر لدى الرجال، مما يؤثر سلبًا على العلاقات داخل الأسرة.
فيما تلعب القوانين والسياسات الأسرية غير العادلة دورا في زيادة المعاناة عند الرجال احيانا، وتساهم في حدوث العنف الأسري. في حالات الطلاق أو الانفصال، يواجه الرجال صعوبة في الحصول على حضانة أطفالهم أو تحقيق زيارات منتظمة لهم، مما يزيد من شعورهم بالعجز والانفصال عن أسرهم. تميل معظم الأنظمة القضائية في العالم إلى منح الأم حق الحضانة، خاصة في السن المبكر للأطفال، بينما يُكتفى بإعطاء الأب حق المشاهدة وتحمّل تكاليف تربية وتعليم أطفاله.
من الواضح أن التحديات التي يواجهها الرجال في تكوين الأسرة والحفاظ عليها، يمكن أن تسهم بشكل كبير في زيادة الضغوط النفسية، وتؤدي بشكل مباشر إلى زيادة حالات العنف الأسري. من الضروري أن نعيد النظر في التوقعات الاجتماعية والثقافية، ونطور سياسات أكثر توازنًا وعدالة لدعم الأسرة بشكل عام، والرجال بشكل خاص في أدوارهم الأسرية. كما يجب تشجيع الرجال على التعبير عن مشاعرهم ، وطلب الدعم النفسي عند الحاجة، وتوفير مراكز الدعم النفسي لهم أسوة بالنساء.
بتحقيق هذا التوازن، يمكننا بناء مجتمع أكثر إنصافًا ودعمًا لجميع أفراده قائما على العدالة والشراكة الفعلية، مما يساهم في تقليل معدلات العنف الأسري وتحسين جودة الحياة الأسرية لكلا الجنسين. كما انه من خلال تفهم ومعالجة هذه القضايا، يمكننا المضي قدمًا نحو مجتمع يفهم يقدر جهود وتحديات جميع أفراد الأسرة، ويعترف بتحدياتهم، مما يؤدي إلى حياة أسرية أكثر سعادة واستقرارًا وخالية من العنف.