للكلمة «شرف خاص» فهي أما طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء، تؤتي أُكلها كل حين، وهي إما خبيثة كشجرة خبيثة أُجتثت من فوق الأرض ليس لها من قرار، وهذا هو حكم الله جلًّ في علاه لا حكم بشر، وبالطبع فللأولى أثرها العظيم الذي يعود بالنفع على كل من يطاله مداها من بشر وسائر مخلوقات الله، وللثانية بالضرورة أثرها السيء الذي يطال كذلك كل المخلوقات!.
شرف الكلمة مرتبط قطعاً بشرف من يتفوه بها، وهي أصدق تعبير عما بداخله من خير أو شر، والكلمة هي قطعاً أرقى أشكال التصرف الآدمي، وربما أحطها، وذلك وفقاً لمضمون تلك الكلمة وأثرها على العامة، فهي أصل التعامل اليومي الحياتي بين الناس، ويقيناً فأن أصل «العفة» رهن بالكلمة قبل أن يكون رهناً بأي سلوك آخرّ.
لا كمال في هذا الوجود إلا لله جلَّت قدرته، ومقياس الاقتراب المتدرج من تلك الصفة الإلهية العظيمة، هو قدرة الفرد المؤمن على مقاربة «العفة» في استلهام شرف الكلمة، إما بالصمت المشرف خُلقياً، وإما بالقول الحسن، وبالذات في الظرف السيئ وذلك هو «دين القيمة»، ليس لسبب، إلا لأن الدين المعاملة، ولهذا ترى عقلاء الخلق يعودون فوراً عندما يكثر الهذر واللغو والقول المنفلت، إلى الله، يحتمون من غضبه سبحانه بالإيمان المطلق بحقيقة أن «الدين المعاملة» قبل أن يكون صوماً أو صلاة أو شهادة.. إلخ، فتلك ممارسات يُفترض أنها تعبير حي عن ذات آدميه، وهي بذلك وسيلة لا غاية، فالغاية في القلوب مصداقاً لقولـه تعالى «إلا من أتى الله بقلب سليم»، فأن كانت تلك الفرائض المؤداة انعكاساً حقيقياً لقلب سليم، فبها ونعم والأجر عند الله لا عند سواه، وإن كانت مجرد حركات أو ممارسات خاوية من مضمون، فبئس فاعلها لأنها نوع من نفاق لا يخفى لا على الخالق، ولا على الانقياء الاتقياء من خلقه.
يخاطب الباريء المصور سبحانه رسوله الكريم صلوات الله وسلامه عليه فيقول «وإِنك لعلى خُلقٍ عظيم» ولم يقل العظيم وانك على خلق عظيم، وثمة فرق بين المعنيين، والمؤمن الحق يسعى جاهداً لأن يحاول التخلق بشيء من خلق الرسول الكريم عبر نشر الخير لا الشر، وإدامة الفضيلة وقهر الرذيلة، ويتدرج ذلك وفق نظرية فن الممكن بوسائل اليد واللسان والقلب، وذلك تبعاً للظروف، ولا تعصب أو تطرف أو غلو في هذا أبداً، لأن الغاية الفضلى تنتفي عندها تماماً، وتصبح وبالاً على المجتمع والعامة، بدل أن تكون خيراً لمنفعة المجتمع!.
في عالم اليوم ومجتمعاته الحية الراهنة، تفقد الكلمة شرفها بامتياز، فقد غدت أداة هدم في الغالب الأعم لا أداة بناء، بعد إذ فقدت القيم الجميلة الجليلة في الوجود قيمتها الروحية المعنوية، وصارت تحسب بموازين اليوم المادية لا المعنوية، فأنت مُجدٌّ مخلص بقدر ما تجني من عوائد ذاتية، «ولا حول ولا قوة إلا بالله»، فقد طغت السياسة بمعانيها المجردة على كل أمر، وغدا اكثر الناس وبالذات في بلادنا العربية ومجتمعنا الأردني أُنموذج منها ولها، سياسيين بالفطرة، يسعى كل طرف منهم لاقتناص الآخر أو إقصائه وربما إلغائه، بحثاً عن غاية هي قطعاً غير شريفة، وتلك هي الطامة الكبرى، خاصة عندما يغيب العقلاء والحكماء المؤمنون الحقيقيون، ويستبد المتطرفون والمنافقون الذين يظهرون غير ما يخفون، ويجتهد البعيدون عن الله وهم كالهوام الضالة بعد أن ختم الله على قلوبهم وعلى أبصارهم غشاوة، في المثابرة على إجتراح أفكار مغشوشة هدفها الاستئثار بكل شيء دون الآخر، ظانين أن الدنيا مُلك لهم، وأن «العبقرية» الزائفة سبيلهم إلى ما يتمنون ظلماً وزوراً وخلافاً لإرادة الله وللواقع على حد سواء.
شرف الكلمة الطيبة والممارسة العظيمة الخيرة في حالتنا على هذه الأرض الأردنية الطاهرة بأمسَّ الحاجة إلى شرفاء ينطلقون من حقيقة «إنما المؤمنون أخوة» امتثالاً لإرادة العزيز القهار، وشرف الكلمة بأمس الحاجة إلى عظام في الذات والنظرة والقول والعمل، ليس بينهم متحذلق أو نكرة يدعى الحرص على العامة، أو انتهازي متعنصر سراً أو علناً ساقته الظروف السيئة إلى موقع، فتوهم أن البلد باتت رهن يديه وأسيرة فكره واجتهاده السيء ونسي أن الله بالمرصاد، وأن الأردن العربي الهاشمي المسلم، محوط بعناية الباريء سبحانه، ليس لسبب، فقط لأن هذا الشعب الطيب المعطاء شعب طيب كريم نقي السريرة، ليس في حياته أو تاريخه لوثة يستحي منها، وإنما فعل مشرف وتضحيات جسام لم يقدمها أحد مثله، وفي ذلك الفضيلة والكرامة والشرف بعينه!.
نحتاج قطعاً إلى تشريف الكلمة قولاً وعملا بشرف الاقتداء بعظمة خلق الرسول الكريم محمد النبي العربي الهاشمي الأمين، وبشرف الحياة المثلى للمؤمنين بالله كافة، أما أولئك الضالُّون ومنهم من يلبس لبوس الدين أملاً في بلوغ مآرب غير مشروعة، فحسابهم على الله يوم الحساب، ولهم في الدنيا الخزي والعار والسقوط، والله من وراء القصد.
She_abubakar@yahoo.com