يشغل التصعيد في جنوب لبنان وشمال فلسطين المحتلة بين الكيان الصهيوني و حزب الله اللبناني تفكير العديد من المراقبين والمحللين في منطقة الشرق الأوسط وإمكانية تحوله إلى حرب ضروس واسعة النطاق تتجاوز قواعد الاشتباك المرسومة و التي حكمت العمليات العسكرية في هذه البقعة الجغرافية المتوترة .
التوتر على الجبهة اللبنانية الفلسطينية ليس بالجديد فقد بدأت المناوشات المسلحة بين الطرفين المذكورين أعلاه منذ الثامن من اكتوبر الماضي بعد أقل من 24 ساعة على انطلاق عملية طوفان الأقصى من قبل المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة الباسل و كان العنوان الرئيس المحرك لاشتعال هذه الجبهة الحدودية مفهوم وحدة الساحات التي روجت له الماكينة الإعلامية الدعائية لمحور المقاومة كدليل على التناغم و التنسيق و الانسجام بين أطرافه في مواجهة العدو الصهيوني .
وحدة الساحات في مواجهة العدو الصهيوني بدا للوهلة الأولى أنها عملية محدودة لن تاخذ وتيرة تصاعدية في ظل حجم الإرهاب و القتل الصهيوني الممنهج ضد أبناء شعبنا العربي الفلسطيني في غزة المقاومة و الجهاد و الارقام المهولة من الشهداء المدنيين الذين قضوا نحبهم ضحايا للعدوان الصهيوني الغاشم و التي تجاوزت حتى هذه اللحظة السبعة و الثلاثين الفا ناهيك عن المفقودين تحت أكوام من الأنقاض و هو الأمر الذي جعل بعض المتابعين للأحداث من أهل الخبرة و الاختصاص يشككون في جدية المشهد القائم على محور جنوبي لبنان و شمالي فلسطين .
حملات التشكيك تراجعت رويدا رويد بعد تصاعد وتيرة الاشتباكات في هذه الجبهة و التي اتخذت شكلا من أشكال حرب الاستنزاف المحدودة من خلال سياق العمليات العسكرية المتبادلة على جانبي حدود التجزئة المصطنعة المرسومة بين القطرين العربيين الشقيقين اي لبنان و فلسطين و التي اضطرت كثيرا من المحللين إلى الأخذ بعين الاعتبار و لفت الإنتباه إلى تعقيدات التركيبة الطائفية للمجتمع اللبناني المتنوعة المتعددة .
التركيبة الطائفية للمجتمع اللبناني شكلت إحدى القيود الرئيسة التي جعلت من حزب الله اللبناني الموالي لنظام ولاية الفقيه الحاكم في طهران غير مطلق اليد في تصعيد الموقف على الجبهة الجنوبية من بلاد الارز خشية الصدام مع مكونات أخرى من المجتمع اللبناني لا توافقه بالضرورة فيما يخص خيار الصدام المسلح مع العدو الصهيوني .
إن تعقيدات المشهد اللبناني التي بدت حتى الأمس القريب عاملا محددا لقدرة حزب الله على المناورة و الذهاب الى ما هو أبعد من مجرد حرب استنزاف محدودة محكومة بقواعد اشتباك مرنة فضفاضة مع الكيان الصهيوني تتراجع أهميتها في ظل مسعى حكام تل أبيب و على رأسهم رئيس وزراء الكيان بنيامين نتنياهو للهروب إلى الأمام و افتعال حرب أوسع و أشمل نطاقا على الحدود الشمالية لفلسطين المحتلة مع بلاد الارز في محاولة مكشوفة منه للتهرب من محاكمة قضائية له على خلفية الفشل و الإخفاق الذريع بتهم فساد متعددة و تصاعد المعارضة الداخلية له على خلفية سوء إدارته الأوضاع العسكرية في حربه العدوانية الغاشمة على شعبنا البطل في قطاع غزة مما يجعل التوقعات تذهب إلى إمكانية حدوث حرب محدودة بين الكيان الصهيوني و حزب الله على المدى المنظور توظف من قبل الطبقة السياسية الحاكمة في تل أبيب كطوق نجاة و خشبة خلاص من مستقبل اسود ينهي المسيرة السياسية لكثير منهم .