اللواء المتقاعد والمحافظ الأسبق في وزارة الداخلية محمد حسين الشوبكي اردني من طراز فريد فهو يحب الناس يفرح لفرحهم ويحزن لحزنهم ولا يغيب عن اي مناسبة مهما كانت الظروف والاحوال الجوية .لا اظن انه توقف يوما واحدا عن التواصل مع الاخرين ومشاركتهم حتى انك تجده في كل مكان يجتمع فيه الناس للفرح او العزاء وتجده في صدر كل مجلس خير ومع اوائل الساعين لمحاصرة الشر واشاعة الخير ولا يتوانى عن ان يضع جهده ووقته لخدمة كل مسعى نبيل..
لم يؤثر تقدمه في العمر على نشاطه ولم يضعف تعلقه بفعل الخير ومجاملة الاصدقاء والمعارف وابناء الوطن فبالرغم من وقوفه على أعتاب التسعين الا ان الصديق ابو هاني لا يزال يمارس دوره كاستاذ ومعلم لكل من عرفه .ففي كل مرة اصادفه في المجالس المختلفة تقفز الى ذهني معاني الوفاء والصدق وجبر الخاطر ومحبة الناس وكل ما يخرجنا عن انانيتنا ويجعلنا نتصرف كاسرة واحدة ...
نعم لقد طبق ابو هاني من خلال عاداته الحميدة هذه قول رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم في وصف علاقة المسلمين ببعضهم البعض " مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد اذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى " وأصر على ان يقدم من خلال قربه من الناس مثلا ونموذج على اننا أخوة في السراء والضراء.
صحيح انا ابا هاني من جيل البناة الذي سبقنا في كل شيء واعطى لبلده ومجتمعه الكثير لكني كنت محظوظا ان عرفته مبكرا بحكم الجيرة ومنذ ما يزيد عن نصف قرن .
في نهاية الستينيات وكنت لا ازال طالبا في الصفوف الاعدادية واتردد على عمان في كل العطل المدرسية لقضاء اسابيع وايام عند اقاربي الذين كانوا يتوزعون بين جبل الجوفة والهاشمي الجنوبي .في تلك الزبارات كنت طفلا شديد الفضول ودقيق الملاحظة ولدي شغف في معرفة الناس واعمالهم ورتبهم وسجاياهم ...في تلك الفترة كان ابو هاني ضابطا في القوات المسلحة يتنقل بين وحداتها .كان محبا للناس مهابا ومتواضعا بالنسبة لي ولاقراني كنا مأخوذين بالنجوم التي تزين اكتافه فتزيده بهاء ومهابة .
في عمان كان جبل الهاشمي الجنوبي المجاور للقصور الملكية المكان المفضل لسكن عائلات ضباط القوات المسلحة وافرادها من ابناء الشوبك والطفيلة والكرك ومعان والبادية الجنوبية فلا يختلف الجبل كثيرا عن البلدات والقرى التي جاءت منها عائلات الضباط والكل يعرف الكل وهناك نسيج وشبكة اجتماعية توفر الحماية والرعاية للأسر والأطفال الذين جاءوا من البلدات الأصلية المتشابهة في العادات والتقاليد وكل شيء تقريبا كان الناس يعرفون بعضهم البعض ويجتمعون في الأعياد والمناسبات كاسرة واحدة ...
في تلك الأيام كان محمد حسين الشوبكي احد أبرز ابناء جيله كانت ملامحه أنيقة ونظراته ذكية ولهجته شوبكية جنوبية بامتياز لا اتذكر أين كان يقيم يومها لكنه كان يتردد كثيرا لزيارة الحي الذي اقام فيه شقيقه زهير الغنميين " ابو عصام " وقريبه القائد اللامع حابس علي ذياب اللذين كانا جيرانا لشقيقي ابو سامي ..
كان مظهر واناقة ابو هاني يشعراني بأن الجيش جيشنا وكأنه عشيرة تخصنا فمنتسبوه اهلي واعرفهم جيدا وكنت اشعر بطمأنينة وراحة ان أمننا امانة في اعناق هؤلاء الرجال .
لقد تنقل ابو هاني في وحدات الجيش قائدا ومعلما ومدربا فتعرف على الاردن أرضا وشعبا وادرك مكامن القوة وما تحتاج له من عزيمة وايمان واصرار.
في ثمانينيات القرن الماضي كان ابو هاني قائدا للمنطقة العسكرية الجنوبية وقد كان يتنقل بين النقاط والتحصينات التي تشغلها وحدات قوته على امتداد مئات الكيلومترات .
في تلك الأيام تعرض الباشا لحادث سير عندما انقلبت الروفر التي كان يستقلها . وادخل على اثره المستشفى ليتوافد مئات المحبين للاطمئنان على صحته . كان ابو هاني يعلم الجميع الاصول فيطمئن على صحة كل من يعوده وكأنه هو الزائر وهم المصابين .
لقد روى المرحوم سليمان عرار عن تلك الحادثة ان أبا هاني كان وبالرغم من شدة اصابته يصر على ان يروي لمن زاره بالتفصيل وكأنه يرد له جميل الزيارة و يشعر الجميع بمحبته واخوته وقربه.
هذا النبل وفيض الحب والقرب من الناس والوطن نقله ابو هاني لعمله الجديد عندما عمل محافظا في اعقاب تقاعده من الجندية . ففي الزرقاء وسائر المواقع التي حل فيها كان ابو هاني قريبا من الناس يشعر بهم ويشعرهم بأنه وجد لخدمتهم.
في نهاية الثمانينيات اشغل الباشا موقع المحافظ لمحافظة الزرقاء ولا اظن انه ترك قرية او تجمعا او ديوانا او حيا من المحافظة دون أن يشمله باهتمامه ويطلع على واقعه ومشاكله ويسوي خلافاته ويحاصر ازماته لقد كان قريبا من الناس ويسمع نبض شكواهم قبل ان يفصحوا عنها.
خلال ازمة الكورنا سمعت ان الفايروس اللعين قد اخترق تحصينات هذا الجنرال العظيم وقد اقلقني الخبر إلى أن أخبرني ولده هادي انه تغلب على الفايروس وتجاوز بعزيمته ورعاية الخالق كل الأخطار .
لم تمنع الإصابة ابو هاني من معاودة نشاطه الاجتماعي وحضوره ومشاركته للاردنيين كل المناسبات.فهو متابع وحاضر ومشارك في كل ما يجري على أرض الاردن. لقد بقي ابو هاني وفيا لاصدقاءه حريصا على التواصل مواظبا على ارتداء الكوفية التي لم يتركها كما تركها الكثيرين منا .
منذ ايام سمعت بأن الشيخ والباشا ابو هاني قد تعرض لحادث اتمنى ان يكون بسيطا وقد أخبرني اخي ابو سامي الذي يحب ابو هاني كما يحبه كل من عرفه. لقد ازعجني الخبر ولكني اطمأنيت بأنه يتعافى بايمانه بالقدر وقوة العزيمة واتجاهاته الايجابية وانحيازه للحياة .
اطيب الاماني لك بالشفاء ايها الاردني الاغر . وعد لنا فمجالسنا لا تحلو الا بامثالك.