صرخة من أجل العدالة في نقابة المهندسين الزراعيين
المهندس سالم الخصاونة
15-06-2024 04:46 PM
في زاوية هادئة من الأردن، حيث تمتد الحقول الخضراء على مرمى البصر، كانت نقابة المهندسين الزراعيين تقف شامخة كرمز لدعم وتطوير القطاع الزراعي. لسنوات عديدة، كانت النقابة تُعتبر الملاذ الآمن للمهندسين والمزارعين، حيث يمكنهم التشارك في المعرفة والخبرة، والسعي نحو مستقبل زراعي مشرق. ولكن خلف هذه الصورة المثالية، كانت النقابة تواجه أزمة مالية متفاقمة، تهدد بتقويض أسسها المتينة.
في صباح يوم مشمس، تجمع مجلس النقابة في قاعة الاجتماعات الكبرى. كانت الطاولة الطويلة تكتظ بأعضاء المجلس، بينما انهمك رئيس النقابة، المهندس هاشم، في مراجعة التقارير المالية المتكدسة أمامه. "علينا اتخاذ قرارات صعبة لتخطي هذه الأزمة المالية"، قال بنبرة جادة، محاولاً إخفاء التوتر الذي كان يتسلل إلى صوته.
على الجانب الآخر من المدينة، كان الأعضاء المتقاعدون وأعضاء الهيئة العامة يعيشون حالة من الغضب والإحباط. القرارات الأخيرة التي اتخذتها النقابة قد قصمت رواتبهم بشكل غير مسبوق، تاركةً إياهم يتساءلون عن مصيرهم ومستقبلهم. كانوا يشعرون بأنهم مجرد أرقام في معادلات مالية جافة، وأن آهاتهم ومعاناتهم لم تجد من يسمعها أو يهتم بها.
في ذلك الصباح، كانت المهندسة لينا، واحدة من الأعضاء القدامى في النقابة، تتجه بخطوات ثابتة نحو مقر النقابة. كانت تحمل في قلبها غضبًا مكبوتًا وإصرارًا على إيصال صوتها. بعد سنوات من الخدمة المخلصة، وجدت نفسها تواجه مستقبلًا غامضًا براتب لا يكفي لتغطية احتياجاتها الأساسية. كانت تعلم أن هناك الكثيرين مثلها، وأن صوتها قد يكون الشرارة التي تشعل التغيير.
عند وصولها إلى قاعة الاجتماعات، تقدمت بخطى واثقة إلى مقدمة الطاولة، حيث كان المهندس هاشم يجلس. "أريد التحدث"، قالت بصوت قوي وواضح، ما أثار انتباه الجميع. سمح لها رئيس النقابة بالكلام، وتقدمت إلى مقدمة القاعة.
"لقد قضيت أكثر من نصف عمري في خدمة هذه النقابة"، بدأت لينا حديثها، وكانت عيناها تلمعان بالعزم، "والآن بعد تقاعدي، أجد نفسي مضطرة للعيش براتب لا يكفي لتغطية احتياجاتي الأساسية. كيف يمكنكم اتخاذ قرارات كهذه دون أن تفكروا في العواقب الإنسانية؟"
ساد الصمت في القاعة، وأخذ الأعضاء يتبادلون النظرات. كانت كلمات لينا تشعل شرارة من الوعي والذنب في نفوسهم. "نحن نتفهم مشاعرك يا لينا"، حاول المهندس هاشم الرد، "لكن علينا أن نفكر في الاستدامة المالية للنقابة."
لم تتراجع لينا، وقالت: "الاستدامة المالية لا تعني التضحية بحياة الأعضاء وكرامتهم. نحن لسنا مجرد أرقام في تقاريركم، نحن أشخاص لنا حقوق وأحلام. يجب أن تجدوا حلاً يوازن بين المالية والإنسانية."
كلمات لينا أثرت بعمق في أعضاء المجلس. بدأوا يدركون أن هناك جانبًا إنسانيًا يجب أن يُراعى في كل قرار يتخذونه. قرروا تشكيل لجنة خاصة للاستماع إلى شكاوى الأعضاء المتقاعدين ودراسة تأثير القرارات المالية عليهم.
مع مرور الوقت، بدأت النقابة تتغير. أصبحت القرارات أكثر توازنًا بين الحاجة المالية والعدالة الاجتماعية. بدأت اللجنة تجتمع بانتظام مع الأعضاء، تستمع إلى مشكلاتهم وتقترح حلولًا عملية. بدأت النقابة في استثمار مشاريع جديدة توفر دخلاً مستدامًا دون الإضرار بمصالح الأعضاء.
في الوقت الذي كانت فيه النقابة تتبنى هذه التغييرات، كانت لينا تتلقى رسائل دعم وشكر من الأعضاء المتقاعدين وأعضاء الهيئة العامة. كانت تعرف أن الطريق لا يزال طويلاً، ولكنها كانت تؤمن بأن النقابة قد بدأت في السير على المسار الصحيح.
أحد المشاريع الجديدة التي قامت بها النقابة كان إنشاء أكادمية للتدريب على الزراعة الحديثة، حيث يمكن للأعضاء الجدد والقدامى تعلم أحدث التقنيات الزراعية وزيادة إنتاجيتهم. كان هذا المركز بمثابة فرصة جديدة للعديد من المزارعين لتحسين حياتهم وتحقيق الاستقلال المالي.
كما قامت النقابة بإطلاق برامج تدريبية متقدمة للأعضاء، مما ساهم في رفع كفاءاتهم وقدراتهم. هذه البرامج شملت التدريب على استخدام التكنولوجيا الزراعية الحديثة، الإدارة المالية، وإدارة المشاريع. تشجيع النقابة على إقامة شراكات مع القطاع الخاص وفر موارد إضافية وساهم في تمويل المشاريع.
أخيرًا، قررت النقابة إعادة هيكلة الرسوم والمساهمات لضمان عدالة توزيع الأعباء المالية بين الأعضاء، وتحفيزهم على الالتزام بمستحقات النقابة. كل هذه الخطوات كانت تهدف إلى تحقيق توازن حقيقي بين الأرقام والآهات، وبين الحاجة المالية والعدالة الإنسانية.
اليوم، تُعرف نقابة المهندسين الزراعيين بأنها نموذج للإدارة الحكيمة التي توازن بين الاستدامة المالية والعدالة الإنسانية.
أصبحت قصة لينا رمزًا للتغيير، تُروى كدليل على أن القوة الحقيقية للنقابة تكمن في قدرتها على الاستماع والاهتمام بأعضائها، وليس فقط في تحقيق التوازن المالي.
هكذا، تحولت نقابة المهندسين الزراعيين من مجرد مؤسسة مالية إلى مجتمع حي ينبض بالعدالة والإنسانية، يعترف بحقوق أعضائه ويسعى لتحقيق توازن حقيقي بين الأرقام والآهات. كانت هذه الحكاية درسًا للجميع، بأن الأمل والإصرار يمكنهما تحقيق التغيير حتى في أحلك الظروف.