"ابو النصر" .. الطاهر زكريا
د.عبدالفتاح طوقان
06-08-2007 03:00 AM
الكتابة عن صاحب لقب "ابو النصر" دون الخوض في الاسم كاف لجرد ذكريات قرن من العمل الوطني في الشأن العام السياسي و الاقتصادي . لقد عرفت الاجيال المتعاقبة زكريا الطاهر و تذكره دوما بالخير فقد كان زعيما شعبيا ذو هيبة و احترام ." ابو النصر" كان دينمو الحركة السياسية و مفجرها في زمن رجال الرجال ، و لعب دورا هاما في الاقتصاد و السياسة العربية و ليس المحلية الاردنية فقط من خلال مشاركات لقطاعات واسعة من احرار التمرد على القهر و الذل و الاستعمارو ارتبط في حياته بالزعيم الخالد جمال عبد الناصر و شكري القوتلي و عبد الله السلال و غيرهم من كبار رفاق السلاح اللذين قادوا ثورات التحرر في الوطن العربي .
و لقد كان العم " ابو النصر" يمثل لي شعلة من التفاني و الجهاد و الفكر المنفتح لجيل كامل يطالب بالاستقلال عن الغرب و ابعاد الاستعمار عن الارض ، و دفع ثمن كفاحه سنوات من عمره بالاضافة الى ماله الذي لم يبخل يوما فيه على سائل او لاجيء او محتاج .
شموخ " ابو النصر" و رعايته لمجموعة كبيرة من اللاجئين السياسين في مصر و سوريا على حد السواء كان عنوانا لمكانه زعيم شعبي متميز .
و في منزله في منطقة "رشدي "بالاسكندرية حيث كان يمتلك قصرا كبيرا بالقرب من القنصلية البريطانية ، اذكر ان به حدائق طابقية على مستويات اربع كانت تقام حفلات الغداء الشهرية التى تضم مناضلين عرب و كنت اذهب الى هنالك و انا الشاب الصغير مع صبحي طوقان اكثر الناس صداقة و قربا و التصاقا مع " ابو النصر" حيث كان كلاهما بمثابة الاخوين ، يحملان فكرا واحدا و قلبا عروبيا واحدا يحلم بامة عربية واحدة من الخليج الى المحيط .
في هذا القصر الكبير كان هنالك صدام حسين و شكري القوتلي و عبد الحميد سراج وزير الداخلية السوري و نذير رشيد مدير المخابرات الاردنية الاسبق و شاهدت صلاح نصر مدير المخابرات المصرية و صفوت الشريف رئيس مجلس الشورى المصري الحالي و عبد الحكيم عامر قائد الجيش المصري و شفيق رشيدات نقيب المحامين الاردنيين و صالح الشرع وزير الداخلية الاردني و الفريق على ابو نوار قائد الجيش الاردني ووزير الدفاع الاردني الاسبق الفريق علي الحياري رئيس هيئة الاركان الاردنية و عبد الحميد السايح رئيس المجلس الوطني الاستشاري و عصام الدلاتي من سوريا و الميرغني من السودان و غيرهم من الشخصيات العربية الوطينة التى صقلت حياتي في بدايتها و حملت معها منذ هذا اليوم كل الاحترام و التقدير للمجاهد "ابو النصر" .
كان " ابو النصر" بالنسبة لى العم و الاب و الموجه ، كلامه وصوته الجهوري و خطايه السياسي و دعمه السخي بلا حدود للمقاومة الفلسطينية ، و في الجنب الاخر من الحياة و انا الطفل بعد فقد كان يهديني دوما الشوكلاته " المارس" بالكرتونانت و ليس بالحبة ، و اذكر انه اهداني بدلتان كريستان ديور في يوم تخرجي من الثانوية العامة ، و عندما عاد الى عمان كان دوما يعطني تذاكر شهرية للسينما و لايمكن ان انسى يوم ان عرفني على العم الكبير المرحوم عاكف الفايز و الذي كان مكتبه في عمارته بوسط مدينة عمان .
يرحل " ابو النصر" و قد خلف ورائه جيلا حيا من رجالات الاردن ، منهم من اصبح رؤساء وزراء و منهم من اصبحوا ضباط في القوات المسلحة الاردنية و منهم من اختار الاقتصاد ، و كان دوما يرعى العائلات المستورة و يبسط يده الى المحتاجين و يدفع تكاليف تعليم العديد من ابناء من قست عليهم الحياة . يرحل " ابو النصر " و يذكره اصدقائه و رفقاء دربه ،محمود الكايد ونذير رشيد ضمن اخرين لا مجال لذكرهم هنا امد الله في اعمارهم ، لينضم الى اصدقاء سبقوه مثل سامي البطاينة و حمد الفرحان و محمود الهنداوي و صبحي طوقان و تيسير زعرور و اخيه احمد ومئات من ابناء الاردن الذين امضوا حياتهم في سبيل اردن قوي مستقل .
يرحل " ابو النصر" و يذكر الجميع ان بيته في عمان هو رئاسة الوزراء الحالية التى عادت اليه بعد ان حكم له القضاء الاردني باعادتها بعد ان صودرت منه بقرار محكمة عرفية في الخمسينات و لكنه لم يتسلم مفاتيحا و بقت ذكرى لكل من يمر اما م مبنى الرائسة الحالية .
انه يمثل تاريخ كبير من العمل السياسي لابد و ان يكنب يوما ما في السينما العربية لتتعلم الاجيال سيرة الرجال الاشداء الاقوياء اصحاب المبداء الذي لا يلين او ينكسر .
رحل " ابو النصر" و ترك بصمة في الحياة لا يمكن ان ينكرها احد او يتجاوزها ، و اليوم هو يوم عزاء الرجال في رجل قل تواجد امثاله . له الرحمة ، الفاتحة .
aftoukan@hotmail.com