في امسية معطرة بياسمين جبال عمان سعدت مساء اليوم بتلبية دعوة الاخ والصديق الدكتور معين فضة على العشاء.
كانت المناسبة احتفائنا جميعا بزيارة سعادة الدكتور محمد حسن البرغثي السياسي والاكاديمي العربي المعروف سفير الجماهيرية العربية الليبية الأسبق في الاردن. والذي امضى ما يقارب العقدين من الزمان كسفير لبلاده في عمان كان ذلك ابان حكم العقيد القذافي واستمر في عمله الى ما بعد تبدل الاوضاع في ليبيا الشقيقة بفعل الربيع العربي.
اللقاء بالدكتور البرغثي يختلف عن بقية اللقاءات التي يمكن ان تكون مع رجال السياسة العرب والغربيين فهو عالم ومفكر وسياسي وخبير وصاحب رؤية وبصيرة يكترث لكل ما يحدث في العالم العربي ويوظف معرفته بتاريخ المنطقة في فهم الأحداث المعاصرة وتداعياتها ...
ويعي الدكتور البرغثي ان الحاضر لا ينفصل عن الماضي ولا عن ما يمكن ان يحمله المستقبل . ولا يفوت فرصة دون أن يستثمرها في حوار هادف وبناء فهو مستمع جيد ومحاور هاديء وقد يكون احد اكثر الدبلوماسيين العرب والأجانب معرفة بالاردن وخصوصيتة الثقافته.
يفاجئك الدكتور البرغثي بسعة المعرفة بالشأن الاردني المحلي ويؤكد لك باستشهاداته انه مطل على تركيبه المجتمع الأردني يعرف تماما نبضه ويعرف عن قرب من يعمل ماذا وكيف كما قد يوصف لك تلابيب بنية البلاد بدرجة تفوق ما يعرفه العشرات من ابناء الاردن الذين اشغلوا الفضاء العام ولا زالوا ينظرون الى مجتمعنا بعيون المستشرقين.
اضافة الى درايته بالطابع المحلي والبنى العشائرية والعرقية وكتابته عن عشرات من اعلام السياسة والاقتصاد في الكتاب الذي أصدره بعنوان "شخصيات " يعرف البرغثي جيدا طبيعة التحولات التي عاشها العالم العربي وتداعياتها واثارها على واقع ومستقبل الاقليم.
بصورة استثنائية يؤمن البرغثي باهمية العمل العربي المشترك و يسعى الى استيعاب وتذوبب الخلافات كما عمل و يعمل بلباقة على تعظيم عوائد التنسيق والتعاون وتجميد او تحييد نقاط الاختلاف .
عبر خدمته التي امتدت على مدى فترة اضطراب العلاقات العربية العربية ومرورها بهزات قوية وظف السفير الديناميكي المطلع على التاريخ العربي والمؤمن بمستقبل هذه الامة معرفته وخبرته الطويلة ليدفع باتجاه تطوير علاقات تعاون مهمة بين بلده والاردن فنجح في ايجاد أرضية مشتركة لعلاقات مثمرة بين البلدين في الجوانب التعليمية والصحية والزراعية وادارة وتنمية المصادر الطبيعية ..
اعترافا بخبرات الرجل وتقديرا لخدمته الطويلة المخلصة طلبت الحكومة الانتقالية الليبية و التي تشكلت في اعقاب الثورة والاطاحة بالرئيس السابق من الدكتور البرغثي الاستمرار في عمله سفيرا لبلده في الاردن فبقي لسنوات قبل ان يتقاعد من العمل الدبلوماسي كسفير ويجدد انشغالاته في الهم الوطني و مساعدة بلاده على تجاوز الظروف الصعبة التي مرت وتمر بها .
رحلة البرغثي لعمان لا تنفصل عن سيرة الاستاذ الاكاديمي والمفكر العربي والسياسي المعتق الذي لم يتوقف لحظة عن الانشغال بهموم الامة والسعي بكل ما اوتي للاسهام في تفكيك عقد المحن .
في لاوعي البرغثي تسكن شجاعة وتصميم ونضالات عمر المختار وفي قلبه وصدره ايمان وإصرار وتصميم لا يختلف عن ذاك الذي صوره الكاتب باولو كويلو والصقه ببطل روايته " الخيميائي" العابر لصحراء شمال أفريقيا باتجاه الأهرامات. فبالنسبة له لا شيء يضعف العزيمة ولا يوجد ما يمكن ان يهز الايمان العميق بحتمية النجاح ما دام احدنا يملك الرغبة والتصميم على تحقيق الحلم.
في الحديث العذب الصادق عن الاردن وقيادته وصف الاردن بأنه بوابة العروبة ومقصد احرارها فاذا بحثت عن عربي مخلص تاه وسط الزحام ستجده اليوم في عمان ..
في ما يشبه الهرولة على ممرات تاريخ بلادنا تحدثنا عن سايكس وبيكو وجروتريد بيل وكلوب باشا وهذلول الساير وعلي ابو نوار وشاهر ابو شحوت وتحدثنا عن العائلة الليبية التي اتت الى المفرق في عشرينيات القرن الماضي فكان منها أول رئيس بلدية للمفرق ....
المدهش في اللقاء انك تتحدث مع البرغثي عن الاردن وكأنه كركي ويتسلل الحب من مفرداته فيصهر بدفء كلماته المعاني ويذيبها كما تذوب المثلجات في صيف الشرق اللاهب ...
كم كنت سعيدا هذا المساء ان التقيت البرغثي بمعية الاصدقاء سمير الحباشنة و حسين الصعوب و معين فضة...
مثل هذه اللقاءات العروبية تشعرك بالقدرة على التي مناكفة سايكس وبيكو وتجاوز حدود الجغرافيا العربية الضيقة..
فيها فقط تشعى ان تقاطعات التاريخ والجغرافيا والسياسة خربشات شوهت أفكارنا وقيمنا وعلاقتنا وانستنا اننا امة توحدنا الضاد والدين وسير الابطال الذين اهدوا للعالم احد افضل النظم الأخلاقية التي تشكل زادا لصحوة العالم لانقاض انسانيته من انياب الامبريالية المتوحشة.