الأمن المائي في الاردن وتحدي الفاقد والهدر
سارة طالب السهيل
15-06-2024 01:01 AM
أنعم الخالق العظيم على المملكة الأردنية الهاشمية بكثير من النعم من جبال ووديان وطبيعة ساحرة ، لكنها تعاني فقرا شديدا في المياه ، فهي ثاني أكثر بلدان العالم فقرا في مصادر المياه. فموارد المياه المتجددة بالأردن تبلغ اقل من 100 متر مكعب للفرد، وهي أقل من حصة الفرد عالميا والتي تبلغ 500 متر مكعب .
وقد تفاقمت التحديات المائية بالأردن بسبب زيادة النمو السكاني واستقبال الأردن للنازحين والمهجرين ، مما زاد الطلب على المياه في الوقت الذي تعاظمت الصناعية والزراعية المعتمدة أيضا على المياه اضافة لهدر المياه ومشكلة تسرب المياه ايضا كل هذه العوامل ساعدت في انخفاض نسبة المياه في البلاد كما ان التغيير المناخي و ارتفاع درجات الحرارة وقلة المطر في بعض المواسم له دور في هذا و اعتقد ان مع كثرة وجود السدود إلا ان أماكنها و وضعيتها لم تؤهلها بالاستحواذ على كافة المياه المنسابة و الاستفادة منها.
وتواجه المملكة ايضا مشكلة انخفاض مستويات المياه الجوفية بشكل مستمر قدره الخبراء بانخفاض سنوي يزيد عن عشرة أمتار في بعض طبقات المياه الجوفية .
بينما يحصل الأردن على حاجته من المياه من مخزون مياه الأمطار ، التي يتقلب معد هطولها بتأثير عوامل التغير المناخي .
كما يعتبر نهر الأردن وحوض اليرموك من أهم مصادر المياه في الأردن غير ان نهر ألأردن يفقد 85 بالمئة من مدخوله من المياه بسبب التبخر الناتج عن ارتفاع درجات الحرارة ، وفقا لدراسة كل من عصام شناق وياسر العدوان .
وقدرت الدراسات المتخصصة تراجع الهطول المطري بنسبة 20% بالأردن ، مما أثر سلبا على السدود وعلى كمية المياه الجوفية التي تعتمد بالكامل على مياه الأمطار .
وعانى الاردن من الفقر المائي منذ عام 2021 بجفاف ست سدود من أصل 17 سدا ، ووصلت كمّيات المياه في احداها إلى ما يقلّ عن 5% من سعتها التخزينية.
وبحسب وزارة المياه والري الأردنية فقد منسوب المياه في احد السدود المستخدمة للشرب عام 2021 عن العام الذي سبقه بنحو 80 مليون متر مكعب بحسب تصريحات وزير الري ، والذي أكد ان الأردن يحتاج إلى 11 مليار متر مكعب من الماء لتحقيق الاكتفاء الذاتي من الغذاء بينما كميات المياه المتوفرة لا تزيد عن1، 1 مليار م مكعب .
وبالرغم من استجابة الشعب الاردني لجهود ترشيد استهلاك المياه منذ فترة طويلة، الا ان مشكلة تسرب المياه ، التي تصل الى الشبكات بصفة غير قانونية ،وخسائر العدادات المقدرة بنسبة 52٪ ، تشكل عائقاً كبيرا في زيادة النقص المائي .
و سوء استخدام مصادر المياه المختلفة، والاعتداءات المتكررة على خطوطها تشكل خطورة تستنزف كميات كبيرة من المياه ، بجانب استنزاف المياه الجوفية مما دفع الحكومة الى وضع انظمة تتولى مراقبة مصادر المياه الجوفيّة المنتشرة في البلاد .
الفاقد المائي
ان الفاقد المائي في الأردن يشكل تحديا يفاقم شح المياه في الأردن ، واذا نجحت الجهود الوطنية في ايقاف هذا الهدر سيقلل كثير من ازمة المياه بالمملكة ، خاصة في ظل ارتفاع نسب هذا الفاقد ، والذي قدرت نسبته في شبكات مياه الري في وادي الأردن كبير، عام 2021 بنحو 27% من إجمالي المياه المخصصة للري وهو ما يعادل ( 108 مليون متر مكعب) .
بينما يقدر الفاقد المائي في قناة الملك عبد الله، بنحو 19% في الجزء الشمالي منها و 38% في الجزء الجنوبي . ويصل التسرب في قناة الملك عبدالله إلى 40% من مجمل الفاقد المائي ، وهو ما يعادل 20 مليون متر مكعب في عام 2021 .
وللأسف ، فان تقليل هذا الفاقد يحتاج الي نفقات مالية باهظة لتقليله لكنه تحدي كبير لابد من تجاوزه بشتى الطرق لحفظ الماء من هذا الهدر الكبير .
من ناحية اخرى ، فان مكافحة الاعتداءات على شبكات المياه والاختلالات الفنية التي أدت إلى كسور في شبكاتها بجانب الاختلالات الادارية في قراءة عدادات المياه ، تمثل قضية امن وطني تتطلب تضافر جهود الحكومة والمجتمع المدني والشعب الأردني عامة لإيقافها ومعالجتها بكل السبل العلمية والعملية لأنها قضية حياة او موت ، فلا حياة بدون مياه .
جهود وطنية
وفي ظل ارتفاع نسبة الفاقد من المياه بالأردن الي 40% ، ونصف هذا الفاقد يهدر بسبب الشبكات، وبالرغم من انفاق وزارة الري حوالي 400 مليون دولار لتغيير هذه الشبكات وتغييرها الا ان عمليات سرقة المياه لا تزال مستمرة .
هذه الاشكاليات تتطلب سرعة توفير صمامات التحكم في تدفق المياه في المنازل ، و تركيب مراحيض وحمامات منخفضة التدفق المائي ، ووحدات دوش الحمامات الموفرة لاستهلاك المياه ، وري الحدائق المنزلية بمياه الأمطار المجمعة بدل مياه الحنفية . ومنع تسرب المياه في الاماكن الخاصة و العامة والمدارس والمكاتب والحدائق.
ولا شك ان الجهود التي تبذلها وزارة المياه والري لتخفيض الفاقد المائي وصولا إلى نسبة 37% بحلول عام 2030 ، بمعدل 2% سنويا للوصول إلى 25% في عام 2040 من خلال تقليل الفاقد الفيزيائي بالتسرب، و معالجة الفاقد الإداري الناتج عن الاستخدامات غير المشروعة باصدار 100% من فواتير المياه البلدية على قراءات عدادات موثوقة بحلول عام 2026.
كما تعمل وزارة الري على تركيب عداد القياسات الدقيق على خطوط المياه الناقلة بنسبة 100% بحلول العام 2026 .
وهذا الاستنزاف المائي يتطلب ـ برأيي ـ سن تشريعات قانونية واجراءات أمنية عاجلة لوقف سرقة المياه وخسارتها ، و تشديد هذه القوانين بالقوة لوقف النزيفالمائي والاستخدام غير المشروع.
وبرأيي أيضا ان الأردن لابد وان يستخدم كل الوسائل الممكنة لعلاج شح المياه ، والتي من بينها إعادة استخدام مياه الصرف الصحي المعالجة في الزراعة والصناعة للحفاظ على المياه الجوفية للأجيال القادمة ، واللجوء الى الطرق الحديثة في الري والانتاج الزراعي مثل الاستمطار ،والتوسع في عمليات تجميع المياه في مواسم الهطول في سدود وأحواض وبرك مائية لتخزين المياه على ان يعاد تحلية مياهها . وأتفق مع أراء خبراء المياه بالأردن على ان ازمة المياه متفاقمة وتحتاج مع ضوابط وقف سرقة المياه وايقاف هدرها في الشبكات الي آلية تحلية المياه في العقبة باستخدام التكنولوجية الحديثة .
وتحلية مياه العقبة طوق نجاه لشعب الأردن امام الأزمات المتلاحقة لشح المياه في البلاد ، والتي ستشهد تراجعا ملحوظا متوقعا بحسب التقرير الدولي الصادر عن ”New Security Beat" التابع لمعهد "Wilson Centre " في واشنطن ، بعنوان (تجنب الأزمات في مستقبل المياه بالأردن ) فان الأردن سيواجه بحلول عام 2100 ، انخفاضًا في مستويات المياه الجوفية بنحو60% في المحافظات الشمالية المكتظة بالسكان ، بجانب توقع انخفاض متوسط تدفق المياه السطحية بنسبة25% بحلول نهاية القرن ، مقارنة بالفترة2016- 2020 مع تراجع في الأمن المائي المنزلي.
ومعالجة التحدي المائي بحسب التقرير الدولي نفسه ، تحتاج الى نفقات مالية كبيرة لتنفيذ المشروعات المائية الجديدة ، الامر الذي يتطلب برأيي تعاون المنظمات الدولية مع الأردن في اعطائها منحا لا ترد لإنفاذ هذه المشروعات العاجلة .