حول تعليمات مكاتب استقدام العمالة
يوسف منصور
13-06-2024 11:20 AM
صدر قرار وزارة العمل في 23 أيار الماضي بالسماح بالترخيص لمكاتب جديدة لاستقدام العاملين الأجانب في المنازل، وكان قرارا مسببا هدفه (حسب الوزارة) تحسين الخدمات المقدمة من قبل المكاتب وذلك من خلال تحفيز المنافسة حيث أن ترخيص المكاتب كان قد أوقف من قبل وزارة العمل منذ 2012. ولقد اثار القرار جدلا مع نقابة اصحاب المكاتب التي تمثل 153 مكتبا استقدم في 2023 حوالي 20025 عاملة منزل.
السؤال الذي يطرح نفسه: هل القرار صحيح؟ فمن ناحيةٍ صرح بعض أصحاب المكاتب بان القرار "يهدد المكاتب الحالية بالإغلاق، وفقدان قرابة 700 فرصة عمل." بينما أكدت الوزارة على ان القرار يأتي ضمن صلاحياتها في تنظيم وضبط سوق العمل ودورها في زيادة المنافسة بين المكاتب المرخصة لتحسين الخدمات المقدمة للمواطنين، والتسهيل عليهم من خلال توفير هذه المكاتب في كافة محافظات المملكة.
ان هذا الأمر التنظيمي يُذكر بممارساتٍ حصلت على مدى السنين، حين طالبت شركات قائمةٌ في السوق من بعض الهيئات التنظيمية بمنع دخول شركات أخرى الى السوق بحجة أن السوق مشبع وأن أي دخول الى السوق قد يؤدي الى "منافسة ضارة" (مع العلم ان المنافسة أبداً لا تكون ضارة)، وينجم عنها البطالة والافلاس وغيرها من الاثار "الوخيمة".
يستعمل مصطلح أن "السوق مشبع" للإشارة الى نضج السوق، أي انه وصل الى مرحلة من النضج حيث استهلكت معظم الفرص مع شدة المنافسة. كما يعني تشبع العملاء أن كافة العملاء المحتملين قد اشتروا المنتجات أو الخدمات بالفعل مما ينجم عنه نمو بطئ في المبيعات او في أرباح الشركات القائمة.
ومن الناحية الاقتصادية، فان السوق لا يكون أبداً مشبعاً. حيث يمكن أن يؤدي الابتكار إلى فتح استخدامات جديدة للسلع والخدمات وتقليل كلف المنتجات مما قد يوسع الأسواق الحالية. فعلى الرغم من أن السوق قد يبدو مشبعًا، إلا أن الابتكارات الجديدة، ومنها تقنيات 5G، تستمر في تقديم فرص جديدة، وتوسيع بل وتعميق سوق الاتصالات الخلوية في الأردن. كما أن السوق ديناميكي ايضاً من ناحية الطلب نتيجة لتغير احتياجات المستهلكين وتفضيلاتهم مما يفتح فرصاً جديدة ويوسع الأسواق كما حصل مع سوق السيارات الكهربائية الذي نما بعد ارتفاع أسعار البنزين في الأردن. أيضاً، يؤدي التوسع في المناطق الجغرافية الى إيجاد فرصًا جديدة لنمو الأسواق وهو امر واضح لانه يقلل من كلف (الوقت والمال) الحصول على المنتج في المحافظات.
ومن أضرار وسلبيات استخدام مبدأ ان السوق مشبع: ان اغلاق الاسواق يؤدي الى ركود الابتكار والاعتماد على الريعية (الحصول على دخل فقط لان المكتب حاصل على تسجيل اصبح حكرا لعدد محدود من المكاتب) مما يفوت فرصاً جديدةً على الشركات والاعمال وعدم تحسين المنتجات. ويؤدي ايضاً في حال دخول المنافسة مستقبلاً الى خسارة الحصص السوقية من قبل تلك المؤسسات القائمة التي اعتقدت باحتكارها مجتمعةً لسوق لا يمكن الدخول اليه.
ومن ناحية العملاء، قد تخسر الشركات القائمة رضى العملاء، فيتراجع الطلب على خدماتها رغم انها قد تحاول رفع أسعار هذه الخدمات مما يؤدي الى خسارة في الكفاءة يدفع ثمنها الشركات القائمة لاحقاً، كما حصل مع شركة نوكيا التي اعتقدت أن سوق الهواتف مشبع وأن عملائها سيظلون مخلصين للهواتف التقليدية، فتأخرت في دخول سوق الهواتف الذكية، مما افقدها حصتها السوقية لصالح شركات أخرى مثل أبل وسامسونج.
أما من حيث الشرعية، فان القرار يتفق تماماً مع قانون المنافسة والذي وجد لحماية المنافسة وليس المتنافسين، كما قد يعتقد البعض خطأً. لذا، من الضروري أن يبقى السوق مفتوحاً للمنافسة، وان تكون الشركات القائمة فيه مرنة ومستعدة للتكيف مع التغيرات والتحولات في السوق وهو أمر في صالح الشركات القائمة والقادمة والمستهلك والوطن.
إن من الضروري الترحيب بقرار وزارة العمل، بل وتأييده إذا كنا نرغب بأن تكون قراراتنا حصيفة ًوبعيدة النظر.