facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss




رغم المذبحة .. لموت الاخ مهابة


أحمد سلامة
11-06-2024 01:17 PM

لا انكر بانني ترددت عن بث هذه المرثية في الغالية (عمون)، ذلك ان مذبحة غزة الدامية، وغير الانسانية، قد ضيقت الخناق على الاعناق
وحالت دون اشهار الحزن الفردي او الاسري!!

لكن فقدان الاخ له مهابته النادرة، التي يتجاوز فيها كل ما حوله فيبوح للناس ما يستشعره من حزن…

وايضا.. إن كان فقدان عزيز مثل اخي الذي قضى نحبه عن شيخوخة مقدرة صالحة في مسقط رأسه يرحمه الله في سفوح تلك الديار التي وصفها النبي الكريم (بانها اكناف بيت المقدس) ووري جثمانه الثرى وادعا هانئا بين قبري امه وابيه.

وترك ذرية صالحة ومشى خلف نعشه احفاده ورغم ذلك ترك لي حجما من الحزن اوجعني فكيف بتلك المجزرة اللامتناهية على يد حمقى ومجانين (يهود) الذين (سيتبرون ما علوا تتبيرا) ان الموت النبيل الكريم يذكر بالموت الجماعي الجارف غير الانساني

ابدأ… كنت وعباس اخي المناضل النبيل واختي امنة نشكل الفوج الثاني (المدلل) في اسرة ابي يرحمه الله، ذلك الريفي الذي رأى بزرقة عينيه الاتراك يخلون فلسطين على وقع حوافر نصر الجنرال البغيض (اللنبي) الذي اعتبر غزوته للقدس استردادا للغزوة الصليبية!!

ثم … حظي بجواز سفر فلسطيني بريطاني هو كل ما تبقى لي من ذكراه الطيبة وبعدها عاش حلاوة المواطنة الاردنية قبل التلاسن ونكران الجميل وتبادل الاستعلاءات.. كانت الوحدة بين الضفتين صورة للعربي عن نفسه، وليس غريبا بعدها إن نكص الفلسطيني واخرج نفسه من حلاوة العروبة، وبعضنا يلح بالمقابل ليحذو حذو الفلسطيني ولكن الامل بالله ان يظل هذا الوطن الاردني البهي (وطن الرسالة) وليس اضافة جغرافية لجغرافيات العرب من دون معنى!!

ثم تدلى الاحتلال على رقبة والدي فلم يحتمل وكأنه كان غير راغب انتظار مجيء السلطة الفلسطينية فهوى راجعا لحقيقته الاولى (جزء من تراب وطنه) يرحمه الله كان قد اغرق في الانجاب اسوة بكل ارياف البحر الابيض المتوسط فانجب دفعتين الاولى (حمزة وسعيد وموسى) والثانية امنة واحمد وعباس !!!

ال حمزة موضوع هذا المقال يرحمه الله كان بكره محظوظا باكثر من اللازم فتعلم المحاسبة ومسك الدفاتر، وحظي بعناية خاصة من عمه ابو الحكم، الذي كان يمتلك (مطحنة) فعينه في شركة مرموقة لعائلة نابلسية كريمة (شركة ال التميمي) وتحول من فلاح عادي بسيط
الى ابن مدينة دهرية سكن الجبل الشمالي في عمارة (ال سبع العيش) حيث تزوج من نابلسية حسناء من عائلة عاشور / فرع السنجلاوي
لاب امتهن خياطة القنابيز وصار من طبقة ميسورة !!

انطلق من داخل هذا الريفي الكامن لطموحه كل مقومات التميز والارتقاء… ولقد كان محظوظا لانه عاش في كنف ذلك الاصلاحي المهيب العم مصطفى عودة (ابو محمود) فسكب في روحه كل عناصر الامل والعزة !!

كان حمزة مثابرا على التقدم والحداثة وايضا حرص على اقتناء ادوات العصر فكان من اوائل من امتلك تلفزيون وانعم علينا براديو في البلدة ويجدد ثلاجته وغسالته ولديه برنامج اسوة بكل النوابلسة في (شراء مستلزمات) الطعام اليومي الشهي..

لقد اغدق علي هذا الشقيق النبيل كل الذي ارضاني وانا طفل ولم اعد ريفيا بالكامل لقد تحولت للعيش في كل صيفيات نابلس المجيدة
الى (ولد نابلسي مدلل).. اعرف محل اباظة للكنافة ولا اذهب لحلويات (العكر) لانه خاص للفلاحين!! واعرف مطعم العلمين على دوار الحسين المميز بحمصه وفوله (والزهرة المخللة) ومسمكة العقاد وكل تفاصيل الخان..

كل طقوس نابلس اصبحت على دراية منها بسبب روحه الوثابة.. ولقد تعلمت على يديه كلمة (المصروف الشهري) كان يصرف لي مبلغا كريما يمكنني من الوقوف امام دكانة غالب جبريل ودعوة ١٠٠ شخص من اهلي لتناول مشروبا صيفيا وارتديت البدلة والربطة والبسني ساعة جوفيال وحملت قلم الباركر وانا في الرابع الابتدائي!!

لقد مكن شقيقتي امنة من ان تتعلم الخياطة في ستينيات القرن الماضي ولبست (التنورة) وصارت بنت مدينة واما عباس فقد ارتحل واسرته الى نابلس وادخله في شراكة مصنع (طلاء النيكل) الذي تحول به حمزة من مدير الشركة لدى ال التميمي الى صاحب مصلحة خاصة به تدر عليه ربحا وفيرا…

حمزة استقر بعد الانتفاضة الاولى في بلدته بديا لان الرزق قد ضاق في المدن وظل بين اهل بلدته وعشيرته حتى مات رحمه الله بعد ان اكمل التسعين عاما من عمره

يرحمه الله

لست ادري كم من اللغات الحية الاخرى تتوفر على هذه الدلالة الموجودة في لغتنا (اخخخخخ) اداة توجع واستغاثة ويظل ذلك النداء (اخ) اداة تعبير منبثقة من التماس موسى من ربه الاستعانة باخيه هرون

وتظل الاخوة والنداء بها احدى اساطير شرق المتوسط وتترابط فيها الاخوة مع الوجع لحظة الافتقاد…

افتقدت حمزة بضراوة الاخوة، وعلى شدة ما تباعدنا واختلفنا في الحياة الا انه سيبقى احدى القيم المحركة حتى اخر نفس في حياتي..

ولقد ترحمت عليه وغبطته في مماته فلقد عاش ثريا لم يكن ذات يوم صاحب حاجة ولم يغادر وطنه الا مسافرا للمتعة او لزيارة خاصة
ولم يحمل من صفات اخرى غير صفة المواطنة الاردنية وابى حتى اخر نفس استبدال جنسيته باخرى وتجنب حتى اخر نفس دفع ضريبة صفات (اللاجيء والنازح وصفات مؤرقة) اخرى ودفن في مقبرة اهله وذويه

لم استطع حضور جنازته لظروف الاحتلال الوسخ وهوان السلطة التي كبلت نفسها بقيود لم تستطع حماية كرامة موتاها بحضور اهل الميت..

ولقد اكرمته بفتح باب العزاء على روحه في مقر رابطة اهلي في عوجان / الرصيفة وما جعل فراقه اكثر من اليسير ذلك الموج الاردني العارم. الطافح بالدفء من اهل النخوة والكرامة

ليس ارق من الاردني بعد تشبثه بعروبته من حرصه على المواساة بالموت فيجعل الرحيل سهلا ويحيل الدفء والمواساة الى قانون حياة لا يتقنه عربيا اكثر من هذا الاردني.. وليس من الممكن عندي ان اختم هذا الرثاء الا بالانحناء شكرا لله الذي جعلنا اردنيين نعيش في قوم
كرماؤهم ينزلون الناس منازلهم فالشكر مقرونا بالانتماء لكل اردنية ولكل اردني انزلوني وانزلوا اهلي في قلوبهم مكانا دافئا لائقا.. ولا ينزل الناس منازلهم الا الكريم والشهم والنبيل

شكرا لشهامتكم وكرمكم ونبلكم.. والحمد لله من قبل ومن بعد





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :