غزوة دموية في مخيم البقعة
ماهر ابو طير
20-04-2011 03:59 AM
بعد «غزوة الزرقاء» التي تبدت فيها الدموية والعنف، يريد انصار السلفية الجهادية ان يشنوا «غزوة البقعة»، وذلك بالاعتصام في المخيم الجمعة المقبلة.
المحزن والمؤسف في كل القصة، ان الاسلام الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، اسلام واحد موحد، لكننا نرى في حياتنا عشرين اسلاماً، واكثر، فهذا يبيح قتل الشرطي، وذاك ُيحرّم، وهذا يفرض طاعة ولي الامر، وذاك مع الخروج على الحاكم.
بهذا المعنى، المشكلة ليست في الاسلام الاصلي، المشكلة في تفسيرات الاسلام، التي يقوم بها العقل البشري، وكل واحد يقدم الاسلام وفقا لما يراه مناسباً، وليس ادل على ذلك من الاختلاف بين السلفيين التقليديين، والسلفيين الجهاديين، وغيرهم من عشرات الاتجاهات.
اريد ان افترض صدقية رواية السلفية الجهادية، وان هناك من شتمهم وحاول الاعتداء عليهم، عند رحيلهم، بضرب الحجارة، فهل كان الحل هو سحب السكاكين والسيوف وطعن الشرطة بها، وهل الشتم او ضرب الحجر يوجب الطعن بالسيف؟!.
في احداث دوار الداخلية، اعطى شباب الرابع والعشرين من اذار انموذجاً اخر، اذ تم ضربهم، ولم يردوا بسحب السيوف، فقد قدموا الى موقع الدوار دون اسلحة، كما في حالة السلفيين الجهاديين.
في قراءة اخرى للقصة، نحن فتحنا الباب لكل هذا الوضع، لان الدموية درجات، فضرب المعتصمين في وسط البلد، فتح الباب لضرب معتصمي دوار الداخلية، وفتح الباب لفصيل غير قابل للتفاهم، حضر الى الزرقاء ومعه السكاكين والسيوف، فالمناخ بات عنيفاً.
السلفيون الجهاديون ارادوا ان يقولوا انهم ليسوا كغيرهم، وان الذين سكتوا في وسط البلد ودوار الداخلية، مستضعفين وضعفاء، وانهم لن يسمحوا بمسهم ابداً، حتى لو ادى ذلك الى مذبحة.
هذه كلها تفاصيل، الاهم هو ان تيار السلفية الجهادية الذي هو حاضنة القاعدة، والمولِّد الاساسي لرجالها، يعيش في عالم اخر، قائم على القتل والتكفير، وقد رأيناهم في العراق يقتلون الشيعة والمسيحيين باعتبارهم كفرة.
رأيناهم ماذا فعلوا بمتضامن ايطالي مع فلسطين، حين جزوا عنقه، في غزة، وجعلوا كل اوروبي يندم على ركوب سفينة والقدوم الى غزة، مقدمين خدمة مجانية لمن يريد خنق غزة، ورأينا ماذا فعلوا في الزرقاء، وماذا سيفعلون في قادم الايام.
آخر القصص، رغبتهم باللعب بورقة المخيم، وهم كغيرهم ممن يتاجرون بورقة المخيم، ومصيبة المخيمات ليست في اللجوء، وانما في المتاجرين باسمهم، من وكلاء سياسيين، يعزفون على الوتر الحساس من اجل مقعد نيابي، او وجاهة.
مخيم البقعة، عليه ان لا يسمح بهذا الاعتصام، حتى لا يصبح المخيم موقعاً لمعركة دموية اخرى، ولغزوة اخرى، ويتم اغراق المخيم في بؤرة الاتهامات، وان للتيار رجاله في المخيم، ولا احد يضمن ان يتم قتل شرطي، فيتم اغراق كل المخيم في تهمة الارهاب والدم.
الحكومة ايضاً التي قالت انها لن تسمح باعتصام للسلفيين الجهاديين في المخيم، عليها ان تفي بهذا الكلام، وان لا تسمح ابداً بتسلل هؤلاء الى المخيم، واغراقه في مواجهة دموية، لان المخيم وكل الاردنيين براء منها مسبقاً.
مسكين هو المخيم، فالذي يريد اغراق البلد في فتنة، يرسل من يحرق علم الاردن على باب مخيم، والذي يريد النيابة، يستفز مشاعر المخيم حتى يصوت له، والذي يريد الزعامة، يلعب بورقة المخيم، والذي يريد الشهرة ينوح عبر ملف الحقوق المنقوصة والفائضة.
وكيل المخيم، هو الدولة فقط، وعلى المخيم ان لا يسمح بجره الى مستنقع الصراعات والالعاب، تحت اي عنوان، لان المخيم في هذه الحالة سيكون اول الخاسرين لو دبت الفوضى في هذا البلد.
من «غزوة الزرقاء» التي تم فيها سفك دم الابرياء من أبناء هذا البلد، مروراً بكل الغزوات المتوقعة، تدمع عينك على الاسلام، الذي ابدع بعضنا في تشويه سمعته وتقديمه بألف صيغة، من التهاون وصولا الى القتل على الهوية والمذهب والدين والشك.
مخيم البقعة ليس «تورا بورا» والزرقاء ليست «قندهار»، ايضاً!.
mtair@addustour.com.jo
(الدستور)