لماذا دعا الأردن إلى عقد مؤتمر دولي للإستجابة الطارئة في غزة ؟
شحاده أبو بقر
11-06-2024 09:44 AM
منذ توليه سدة الحكم ملكا على المملكة الأردنية الهاشمية قبل خمسة وعشرين عاما ، واصل الملك عبدالله الثاني نهج والده الملك الحسين رحمه الله ، في تكريس جهوده ولقاءاته على الصعد الثنائية والإقليمية والدولية، محذرا من غض المجتمع الدولي الطرف عن حتمية التوصل إلى حل سلمي عادل يكفل للشعب الفلسطيني حقه المشروع في إقامة دولته المستقلة على ترابه الوطني الذي تحتله إسرائيل منذ العام ١٩٦٧.
وبرغم تحذيرات الأردن من حجم المأساة التي يعيشها الشعب الفلسطيني جراء ممارسات الإحتلال من حصار وإستيطان وقتل ودمار وإستباحة لأبسط حقوق هذا الشعب في حياة حرة أسوة بشعوب الكوكب ، إلا أن قوى النفوذ العالمي لم تأخذ تلك تحذيرات المتكررة بما تستحق من إهتمام .
هذا التراخي من جانب قوى النفوذ العالمي تلك ، منح حكومة اليمين المتطرفة في إسرائيل ، المزيد من الفرص لتحدي القانون الدولي وسائر القيم الإنسانية المتعارف عليها دينيا وأخلاقيا وموضوعيا ، فأمعنت في إذلال الشعب الرازح تحت إحتلالها ووسعت مشروعاتها الإستيطانية وشرعت في رفع منسوب مخططها لتهويد الأرض الفلسطينية وإستباحت حرمة المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس وسائر فلسطين ، وتمادت أكثر في قهر شعب لا يبغي سوى حقه المشروع على ما تبقى من أرض آبائه واجداده .
لم ييأس الملك عبدالله الثاني من مواصلة جهوده عبر المنابر الدولية كافة محذرا وداعيا لسلام عادل يكفل الأمن والإستقرار لشعوب المنطقة كافة ، ولكن دون جدوى ، فالعالم بدا كما لو كان غير معني حتى بتنفيذ قرارات الشرعية الدولية التي عفا عليها الزمن أمام تعنت إسرائيل التي ترى نفسها فوق القانون الدولي، ما دام هناك من يدعمها ويحميها ليس داخل أراضيها وحسب ، وإنما وهي تحتل وتغتصب وتستبيح أرض غيرها .
في الأثناء، كان قطاع غزة يعاني حياة شاقة تنقصها أبسط متطلبات العيش الكريم بسبب حصار إسرائيلي خانق يقترب الآن من عامه الثامن عشر ، إلى أن تحقق ما حذر منه الملك عبدالله الثاني على مدى ٢٥ عاما بعد أن ضاقت الحياة بكل سبلها على أكثر من مليوني إنسان يعيشون عيش الكفاف وما دون ذلك في قطاع غزة .
لم تلتفت حكومة إسرائيل قط للعناء المرير الذي يصارعه هذا الشعب ، وإنما شنت وما زالت حرب إبادة دخلت شهرها التاسع من قتل وتدمير البشر والشجر والحجر وكل ما يمكن أن يبقي اي شيء من مقومات الحياة الآدمية في غزة ، في مسعى لتهجير سكانها كما فعلت منذ حرب عام ١٩٤٨ .
أخيرا ، وقف العالم أمام الحقيقة المرة ، وهي الدولة التي خدعته طويلا بتصوير واقعها كما لو كانت دولة ديمقراطية متطورة تتموضع وسط محيط عربي إرهابي يريد إجتثاثها ، ليستبين الحقيقة غير المغشوشة ، وهي أن قضية فلسطين لم تبدأ يوم ٧ أكتوبر، وإنما هي قضية شعب جرى تهجيره من وطنه منذ ٧٦ عاما في مخيمات لجوء وفي شتات عبر العالم على يد تلك الدولة التي قامت على انقاض أرض ومساكن وحقوق ذلك الشعب .
اليوم ، تمعن دولة الإحتلال الإسرائيلي في ظلمها ، تبيد كل شيء في غزة ، البشر والمساكن والمعابد والمستشفيات والمدارس وتقتل الأطفال والنساء والشيوخ دون أن يرف للقتلة جفن ، فهذا الشعب الصابر يجب أن يباد عن بكرة أبيه وليس له ابسط حق في بلاده التاريخية وعليه أن يرحل عنها فورا .
الأردن بقيادة الملك عبدالله الثاني، بذل جهودا جبارة لوقف المذبحة التي يقر بها وببشاعتها اليوم العالم كله ، عندما يرى عبر الشاشات اطفالا بلا رؤوس ونساء ثكلى فقدن اسرهن واهاليهن ومرضى وجرحى لا يجدون دواء ، والانكى ، اطفالا يموتون بأحدث سلاح ادخلته إسرائيل
في حربها ، وهو سلاح التجويع بقصد الموت .
وعندما يقف العالم عاجزا عن وقف المذبحة المروعة ، وعاجزا عن إرغام إسرائيل على الالتزام بالقانون الدولي وبميثاق الأمم المتحدة وبمباديء حقوق الأنسان ، فإن الأردن وطن الإنسانية الذي يوفر حياة كريمة من قوت ومقدرات شعبه ودولته لملايين اللاجئين الذين يتخلى العالم عنهم ويكتفي بتوجيه كلمة .. شكرا .. وحسب للأردن ، يجد نفسه مضطرا دينيا وإنسانيا وأخلاقيا للتحرك عله يكون قادرا على إستنهاض الضمير الإنساني العالمي لنجدة وإغاثة شعب غزة الذي تقول منظمة الأغذية والزراعة الدولية ، الفاو ، أن مليون إنسان منه مهددون بالموت جوعا بحلول منتصف يوليو القادم .
نعم ، عندما تصف حكومة إسرائيل الوكالة الدولية لإغاثة الشعب الفلسطيني بأنها وكالة إرهابية ، لمجرد محاولاتها مساعدة الشعب المنكوب ، وعندما يصف وزراء تلك الحكومة الناس في غزة بانهم حيوانات يجب قتلهم ، وعندما تغلق تلك الحكومة كل المعابر إلى غزة ويعتدي مستوطنوها على قوافل المساعدات الاردنية لأهالي غزة ، فإن الأردن الأنسان الذي بادر إلى كسر الحصار وشجع دولا غيره على مشاركته الانزالات الجوية من الطعام والدواء على شعب يواجه الموت كل ثانية ، لا يمكنه السكوت عن كل هذا .
من هنا ، جاءت مبادرة الملك عبدالله الثاني بالتنسيق مع رئيس جمهورية مصر العربية والأمين العام للأمم المتحدة الذي ابرأ ضميره في إحاطة مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة بهول الكارثة المروعة في غزة ، لعقد المؤتمر الدولي للإستجابة الطارئة.
الملك عبدالله الثاني يقود مملكة أردنية هاشمية بنيت على قيم الإنسانية المستمدة من قيم الإسلام العظيم، فهو حفيد محمد نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم، وهو لهذا من لا يمكن له أن يصمت وهو يرى كما العالم كله ، كيف يجري تدمير قيم الإنسانية التي تتشارك في ترسيخها الاديان كلها، وكيف يباد شعب ظلما بسلاح جيش منظم يتلقى الدعم من قوى كبرى .
مؤتمر الاستجابة الذي يستضيفه الأردن ، قادر على تحريك مشاعر التعاطف مع شعب يباد ، وعلى إحياء الضمير الإنساني العالمي من سباته.
قبل أن أغادر .. اهلا وسهلا بضيوف الأردن الذين حضروا لغاية نبيلة سامية وجليلة . نسأل الله لكم التوفيق لإنقاذ شعب يموت ظلما قبل فوات الأوان، وقطعا فكلما فاضت روح طفل في غزة جوعا ، فإن العالم الحر الإنسان ، يفقد درجة من إنسانيته، وحتى حريته .