تعقيدات الحرب في غزة: الحاجة لحلول حاسمة في مواجهة جبهات مفتوحة
د. عامر السبايلة
10-06-2024 09:49 AM
قد يتطلب الوضع المعقد على الأرض في غزة نهجاً أكثر حزمًا لإنهاء الحرب. وقد تثبت الخطة الدبلوماسية الامريكية الحالية عدم فعاليتها مع استمرار الصراعات ونشاط الجبهات المتعددة.
بعد مرور أكثر من ثمانية أشهر على الصراع في غزة، يتضح جلياً أن إسرائيل غير مستعدة لتقديم أي تنازلات، بل تُظهر إصرارها على فرض واقع أمني يشمل السيطرة على الحدود في غزة والقضاء على أي وجود مسلح في القطاع. حتى اقتراح الهدنة الأخير من قبل الولايات المتحدة، الذي يؤكد على ضرورة منع تكرار حوادث مثل تلك التي وقعت في السابع من أكتوبر، يتماشى في جوهره مع رغبة وهدف إسرائيل في إنهاء أي وجود عسكري في غزة.
أما بالنسبة لحماس، فإن مقترح الهدنة الأمريكي لا يقدم أي فوائد ملموسة؛ فالحركة تسعى إلى ضمانات تُنهي الحرب وتُقيد قدرة إسرائيل على استئناف العمليات العسكرية، وتضمن كذلك دورًا لحماس في مرحلة ما بعد الحرب في غزة. لكن غياب الضمانات وإصرار رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو على عدم إعطاء أي دور لحركتي حماس وفتح في غزة ينهي أي قيمة لأي اتفاق حالي. مع ذلك، تبقى مسألة الرهائن ورقة الضغط الأساسية بالنسبة لحماس، بغض النظر عن التقارير التي تُشير إلى أن العديد من الرهائن قد يكونون قد لقوا حتفهم.
على الرغم من تزايد الجهود المبذولة لوقف الحرب، إلا أنه لابد من النظر أيضًا إلى تعقيدات المشهد الإقليمي الناتج عن اندلاع هذه الحرب في غزة. الجبهات المفتوحة التي وضعت إسرائيل نفسها في مواجهتها تجعل حل الصراع الحالي معقداً للغاية. فهذه الحرب وفقاً لمنظومة الأمن القومي الإسرائيلي قامت على أساس تأمين إسرائيل من الخطر القادم من الخارج، مع التركيز في المرحلة الأولى على غزة. ومع ذلك، فإن الضفة الغربية، وجبهة الجولان، والأهم جنوب لبنان، هي مناطق جغرافية يعتبرها العقل الأمني الإسرائيلي أساسية لضمان عملية التأمين الداخلي. وبالتالي، فإن خفض وتيرة الحرب في غزة أو التوصل إلى اتفاق بعد فرض السيطرة على محور فيلادلفيا قد لا يغير كثيرًا في مسألة الاستقرار الإقليمي الأوسع، باعتبار أن الجبهات الأخرى لاتزال مفتوحة وغير محسومة. مما يعني أن إيقاف الحرب في غزة قد لا يعني إغلاق الجبهات الأخرى.
في الواقع، قد يُعزز انتهاء العنف في غزة احتمالية فتح جبهة صراع جديدة، خاصة على الجبهة اللبنانية، التي بدأت تحتل في هذه المرحلة أولوية بالنسبة لآلة الحرب الإسرائيلية. تسعى حكومة نتنياهو لتأمين المناطق الشمالية، وإعادة الحياة إلى طبيعتها عبر إنجاز ملف عودة السكان قبل بداية العام الدراسي. هذا ما قد يُفسر ارتفاع وتيرة التصعيد الأخير على الحدود بين إسرائيل وحزب الله، وهو الأمر الذي بدأ يؤخذ من قبل الأطراف الدولية باعتباره تهديدًا حقيقيًا باندلاع مواجهة قد يدفع فيها لبنان للأسف الثمن الأكبر. خصوصًا مع فشل الجهود الدبلوماسية في الشهور الماضية لاحتواء احتمالية اندلاع المواجهة، والذي أدى بدوره إلى تصاعد التوتر تدريجيًا والانتقال إلى مواجهات أكثر عنفًا بين الطرفين.
إن تحديات إيجاد حلول للصراع الدائر في غزة يمكن أن تؤدي إلى انتقال المواجهة إلى جبهات أخرى. فاستراتيجية الردع الإسرائيلي الحالية مبنية على فكرة "تفكيك الساحات" في مواجهة مبدأ "وحدة الساحات" التي دعمها وسوقها محور إيران في السنوات الأخيرة.
هذا المشهد المعقد لا يمنع من محاولات التعامل مع ملفات الصراع كلٌ على حدة كما هو الحال في المبادرة الأمريكية، لكن في الوقت الذي يجب التركيز فيه على إنجاز وقف سريع لإطلاق النار في غزة، لا بد من إيلاء جبهة لبنان أهمية كبيرة نظرًا لخطورة التطورات الأخيرة واحتماليات انفجار الجبهة بشكل كامل، مع ارتفاع مستوى التصعيد بين إسرائيل وحزب الله.
إن عدم القدرة على فرض أي حل على أطراف الصراع في المنطقة في هذه المرحلة يعني للأسف ارتفاع احتمالية انتقال الصراع إلى جبهات جديدة. فقد أصبح عامل الوقت اليوم حاسمًا بالنسبة للإدارة الأمريكية التي تستعد لمغادرة البيت الأبيض – ولو مرحلياً – مما يقوض فعليًا قدرتها وفرصها في فرض حلول وتسويات على جميع الأطراف. وبالتالي، فإن احتمالية ظهور جبهة جديدة للصراع قد تكون أكبر من قدرة هذه الإدارة على تنفيذ خطة تسوية إقليمية.+
الرأي