اذا كان حقا ان السياسة (في اشهر تعريفاتها) هي فن الممكن، فمن الطبيعي بمكان ان ينحصر (او يكاد) هامش عمل السياسي ضمن هذه الدائرة ، دائرة الممكن، وتصبح هي ملعبه ،فيها عمله واهدافه وطموحاته، علما بان هناك مدارس لتفسير هذا الفن واشهرها المدرسة الواقعية التي تقول ان فن الممكن هو دراسة وتغيير الواقع السياسي موضوعيا،وليس الخطاء الشائع ان فن الممكن هو الخضوع للواقع السياسي وعدم تغييره بناء على حساب المصلحة وموازين القوة.
على اي حال نطرح السؤال الجوهري ،كيف يتم توسيع ملعب محترف السياسة واختراق محيط هذه الدائرة( الممكن المتاح) لتغيير هذا الواقع بشكل موضوعي( كما ينادي الواقعيين)، وجلب معطيات وهوامش اخرى تزيد من مساحة عمله و تعظيم اهدافه وطموحاته وبالتالي تعظيم منجزاته؟.
ان اختراق هذه الدائرة بنظري يكون بأمرين:
- الارادة والقدرة التي تصنعها القوى المساندة لهذا السياسي( سياسية اقتصادية عسكرية ديبلوماسية...الخ)، وهذه القوى اصلا تكون تحت قيادته وتوجيهه والعلاقة بين السياسي والقوى التي تدعمه هي علاقة تبادلية من ناحية انه هو الراعي والموجه لها والمتكفل بتوفير البيئة اللازمة لتطورها و تقدمها، وبدورها تقوم هذه القوى بتشكيل الارادة وتحدث الاختراق المطلوب في الممكن فتوفر للسياسي الفرصة المطلوبة لتوظيفها، (قد يحتكر احيانا بعضا من هذه القوى ويجعلها بقبضته مباشرة كالقوى العسكرية)، هذه الارادة هي افضل مخترق لمحيط دائرة الممكن، وبالتالي توسيع هامش عمل السياسي وقدرته على المقارعة والمفاوضة وبسط مزيد من النفوذ والتأثير وتغيير الواقع.
- الامكانيات والقدرات الفردية للسياسي ومؤهلاته والتي يتميز بها عن غيره من السياسيين كالكاريزما الشخصية والقدرة على الاقناع والتأثير وكذلك الدهاء الموجه والمشورة بالإضافة للدقة في توقيت القرارات وكفاءة وحسن استخدامة للشرعية والاخلاق التي يرتكز عليها، فهذه الامكانات قد تتجاوز الارادة والقدرة بالمفهوم المادي وتحقق منجزات اكبر بمجهود اقل.
واخيرا انا برأيي ان تقدم الامم يكون بحصيلة تقدم جميع ما سبق كمسيرة متكاملة يقودها السياسي الذي يرتقي ليصبح قائدا وزعيما.