التجويع .. سلاح العدو الجبان الأشد فتكاً من القنابل والصواريخ
معتز بالله عليان
09-06-2024 08:24 AM
لقد انتهج العدو الصهيوني العديد من السياسات العدائية ضد الشعب الفلسطيني على مدى فترة احتلاله لفلسطين الممتدة منذ ما يقرب من الثمانين عاماً، ومنها القتل والتهجير، وسياسة الأرض المحروقة، وتدمير البنى التحتية الفلسطينية، وهدم المنازل والمعابد والمساجد، ومصادرة الأراضي، وجدار الفصل العنصري، كما تمكن من الحصول على دعم لا متناهٍ من الغرب عسكرياً، إذ امتلك الكيان أحدث الأسلحة وأخطر التقنيات والمنظومات العسكرية.
لكن حربه الآن ضد غزة الصامدة، تشهد نوعاً جديداً من سياساته اللا إنسانية العدائية لأهل غزة، وهي سياسة التجويع، كسلاح ضد المدنيين والأبرياء من أهلها، فكأنه لم يكتفِ بالحصار الذي رزحت تحته غزة لأكثر من سبعة عشر عاماً قبل اندلاع معركة طوفان الأقصى المباركة في شهر أكتوبر من عام 2023م.
لقد تدرج الكيان في تطبيق سياسة التجويع على قطاع غزة، بدءاً من التدمير المتعمد والهمجي لجميع مصادر الغذاء والماء لسكان غزة لإخضاعهم وإجبارهم على النزوح من أماكن سكناهم ومعيشتهم، فجرف مئات الأشجار المثمرة، ودمر كافة الأراضي الزراعية الخصبة، وقتل الماشية، ليضطر سكان غزة الفلسطينيين إلى النزوح قسراً لمناطق تفتقر إلى الموارد الغذائية التي تعينهم على الحياة والاستمرار. ثم عمل بكل جبروت وطغيان على منع الإمدادات الغذائية وإيقاف تدفق المساعدات الإنسانية لسكان القطاع وخاصة في المناطق الشمالية، فضلاً عن تعنته الواضح والفاضح لإغلاق المعابر كمعبر رفح وكرم أبي سالم في وجه قوافل وشاحنات المساعدات التي توافدت على الحدود لإغاثة الغزيين من كثير من الدول والمنظمات الدولية والمنظمات الإنسانية. وما زال العدو يمعن في توسيع تطبيق سياسة التجويع تلك، حتى أصبح الأطفال في غزة يموتون من الجوع، ومن سوء التغذية وانعدام الأمن الغذائي. وليس فقط الأطفال، بل النساء وكبار السن أصبحوا يواجهون خطر التدهور الصحي وانهيار الحالة الصحية، فهناك نساء حوامل ومرضعات، وهناك من يحتاجون إلى الغذاء الصحي والسليم من مرضى الأمراض المزمنة كالسكري والضغط والكلى، وغيرهم ممن يواجهون تلك السياسة المقيتة ويقتلون فياليوم ألف مرة بسلاح التجويع.
إن سلاح التجويع الذي يستخدمه العدو الصهيوني ضد أبناء غزة عموماً هو جريمة حرب تندرج تحت جرائم الإبادة الجماعية، وهذا ليس اجتهاداً في القول أو الاستنتاج؛ فذلك ما أقرته العديد من القوانين الدولية والإنسانية منذ القدم، فكثير من الشواهد في التاريخ قد بينت لنا كيف كان يتم استخدام سياسة التجويع ضد المدنيين وأهل الأرض الأصليين من قبل المحتلين والغزاة كوسيلة للإخضاع والسيطرة وإجبار القادة السياسيين أو المقاومين على الاستسلام ورفع الراية البيضاء. ومن تلك الشواهد ما قامت به قريش من حصار وتجويع للمسلمين في أوائل الدعوة الإسلامية، وحصار عكا في فترة الحروب الصليبية الذي كان الغرض منه تضييق الخناق على المدنيين بتجويعهم وقطع الإمدادات الغذائية عنهم، وما قامت به بريطانيا عند احتلالها للهند حين أقرت سياسة إعطاء الأولوية للمحاصيل النقدية على حساب إنتاج الغذاء للسكان الهنود لغرض تجويعهم، وما أقدم عليه الأوروبيون المهاجرون عند وصولهم للأمريكيتين؛ حيث قاموا بتعطيل أنظمة إنتاج الغذاء وطرق الحصول على الإمدادات الغذائية لسكان أمريكا الأصليين حتى انتشرت المجاعة بينهم وارتفعت معدلات الموت وانخفض عدد السكان الأصليين.. وغيرها الكثير.
واليوم، وفي ظل ما يعانيه أهل غزة وسكانها من حرمان وانعدام للأمن الغذائي وعدم توفر مياه صالحة للاستهلاك البشري، تصدر لجنة الأمم المتحدة لحقوق الطفل، وغيرها من المنظمات الدولية كمنظمة أنقذوا الأطفال، ومنظمة الصحة العالمية، وبرنامج الغذاء العالمي، ووكالة الأونروا، نشرات وتقارير تعكس حجم الكارثة التي يعيشها السكان الغزيين، وما يتعرض له الأطفال من خطر الموت جوعاً بسبب عدم توفر مقومات وعناصر الغذاء الأساسية اللازمة لبقائهم على قيد الحياة. أطفال غزة الذين يموتون من الجوع، وتطالعنا بصورهم البائسة والمؤلمة شاشات التلفاز، فذلك طفل رضيع لم يتجاوز عمره العام ونصف العام يموت بين يدي والده لعدم تمكنه من الحصول على الحليب، وتلك طفلة في عمر الأربع سنوات تفقد حياتها بسبب عدم وجود ما يكفي من طعام يعينها على النمو والاستمرار في الحياة، وأطفال من ذوي الإعاقات، وأطفال في سن المراهقة وبداية التفتح على الحياة، يغادرون هذا العالم بالموت جوعاً.
إن شبح الموت جوعاً بات يخيم على جميع سكان غزة، ويختص الأطفال منهم بشكل مروع، في ظل استمرار التعنت الصهيوني بمنع وصول المساعدات الإنسانية، وإغلاق كافة المعابر وقطع جميع السبل التي قد تسعفهم في البقاء والصمود. وبرأيي، يجب أن يتم عقد اجتماع طارئ واستثنائي لمجلس الأمن الدولي يتم تخصيصه لمسألة الأمن الغذائي لأهل غزة، فالحاجة الإنسانية اليوم هي أكبر وأجلّ وأعظم من أي وقت مضى، وأن يتم تشكيل لجنة طوارئ للمجاعة في غزة تعمل وفق القوانين الإنسانية التي أقرتها واعترفت بها وصادقت عليها لتقدم الحلول العاجلة والنافذة والملزمة لإنهاء هذه المأساة ومحاولة إنقاذ ما يمكن إنقاذه من الناس هناك، لجنة تشارك فيها دول من العالم، دول تحترم إنسانية أهل فلسطين عموماً وأهل غزة بشكل خاص. فهل سنرى ذلك قريباً؟؟؟