القوى السياسية لدينا إن جاز لنا أن ندعي أن لدينا قوى سياسية فاشلة ومشوشة في معظمها بكل المقاييس ، فبدل أن تنشغل هذه القوى بتفعيل الحياة السياسية والمشاركة على المستوى الوطني وتحقيق أهداف برنامج الإصلاح فهي منشغلة في التناحر فيما بينها وتبادل الاتهامات والمزاودة على بعضها بالولاء والمعارضة.. ذلك
لأنها تفتقر إلى نخب حقيقية بالمعنى الفعلي لمفهوم النخب.. لأنه ليس كل من دخل ميدان العمل العام يستطيع أن يكون من النخب وليس كل من تولى منصبا رسميا كذلك فالنيابة أو الوزارة أو العينية أو أي منصب حكومي إذا لم يكن صاحبه متسلحا بالفكرة والثقافة والرؤية الواضحة يبقى موظفا لا أكثر ولا أقل ولا يمكن أن يترك أثرا مهما كان هذا الأثر أو أي علامة فارقة..النخب الحقيقية هي التي تفرض نفسها على الصورة من خلال الفكرة التي تحملها ومبدأها الذي تمضي عليه أو تلك الشخصيات المجتمعية التي يفرزها الناس إلى الواجهة لما يروه فيها من صفات تؤهلها لتكون في المقدمة والحديث عنهم ويستمعون إلى أرائها ويرضون أن توجههم..
الأردن من الدول القليلة في العالم التي تحاول الدولة فيه خلق قوى سياسية لتكون شريكة لها في القرار ، وتجهد الدولة في ذلك لتجهيز البنية التحتية لهذه الغاية إلا أن اليباس الذي أصاب العمل السياسي في الأردن في معظم زواياه لا زال يشكل عائقاً كبيراً أمام هذا الهدف ، ونظرة سريعة على خارطة الأحزاب في الأردن تنبئ بأن الطريق ما زال طويلاً ووعراً أمام فكرة أن تكون الأحزاب لدينا الذراع القوي والرافعة الحقيقية لترسيخ عمل سياسي حقيقي في الأردن يقوم على المصلحة الوطنية ، ولا زالت هذه الأحزاب تشكل عند الكثيرين عناوين وجاهة وطريق للبحث عن المنصب النيابي والوزاري فقط وربما يكون هذا مبررا إذا أردنا إصلاحاً سياسيا حقيقيا بشرط أن يكون الحزب متسلحاً بالفكرة الواضحة والبرنامج الواقعي القابل للتنفيذ ، ولكن حتى اليوم ونحن نقترب من موعد الانتخابات النيابية لم نر حزباً يقدم برنامجاً واضح المعالم ومحدد الأهداف ، ولا زلنا نسمع كلاماً عاماً غير مؤطر ولا يختلف عن حديث الناس منذ عشرات السنين.. قد يتعذر البعض أن التجربة لا زالت في مهدها ومن اللازم إعطاؤها الفرصة كي تثبت أثرها في المجتمع وهذا طرح يمكن ان يكون موضوعي ببعع جوانبه، لكن المؤشرات تقول أن البداية مشوشة ولا تخاطب الهدف الوطني الذي تريده الدولة ويريده الأردنيون من كل برامج الإصلاح التي طرحت ، فهل من المعقول أن لدينا ما يزيد عن ٤٠ حزباً مرخصاً ولا نرى برنامجاً واضحاً من الممكن أن يكون محل نقاش بين الأردنيين، وقصة الأحزاب البرامجية هذه غير مفهومة وشكلت على الأحزاب نفسها عبئاً ثقيلاً فالحزب أصبح بلا برنامج واضح ولا فكرة سياسية تشكل شخصيته.
معظم الدول في العالم لديها أحزاب موالاة وأحزاب معارضة ، الأولى لديها فكرة تساند الحكومات في عملها وبرامجها ضمن رؤية حزبية واضحة وتكون جزءا من الحكومات والثانية تشكل حالة رقابة على أداء الحكومات وتقدم البرامج البديلة القابلة للتنفيذ.. أما نحن فالأحزاب التي تسمي نفسها موالاة دون ان يفهم الكثيرون من منتسيبيها المعنى الحقيقي للمولاة البعيدة عن المصالح الذاتية وانتظار الثمن، وليس لديها ما تردده إلا أنها أحزاب برامجية لكن بلا برامج والأخرى التي تسمي نفسها معارضة عدمية لا تقدم أي حلول بديلة و لا تعرف إلا أن تمارس الرفض وترفض أن تصل مع الحكومات إلى أي التقاء في الوسط وهذا عائد إلى الضعف الفكري وضحالة التجربة عند الذين يحاولون أن يعملوا في ميدان العمل السياسي.
لا يمكن لنا أن نخطو بجدية إلى الأمام نحو هدف خلق حياة سياسية فاعلة في الأردن إلا إذا نظرنا إلى الهدف من باب المصلحة الوطنية بعيدا عن المصالح الشخصية الضيقة التي تفشل كل محاولات الوصول إلى المساحة المنشودة في الإصلاح وتوزيع الأدوار ضمن خارطة وطنية واضحة المعالم..
اذا ضاعت الفرصة القائمة التي قدمتها الدولة لخلق مساحة كبيرة لمشاركة الجميع في البناء الوطني الجديد فربما لن تعود وسنتحمل جميعنا المسؤولية أمام الاجيال..