facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss




فلسطين المحتلة .. تحتل العالم


د. محمود الشغنوبي
08-06-2024 10:34 AM

اليوم وبعد استيقاظ الاهتمام بفلسطين وقضيتها، كما لم يحدث من قبل، ومع ما يُكتَب عن القضية ككل أو عن مقاومة الشعب، تضامنًا وتأييدًا، بات واضحاً وجلياً أن الشعوب استطاعت رؤية فلسطين كما هي، بأزمتها ومظلوميتها.

أدركت الشعوب أن فلسطين كانت وعلى مدى عقود طويلة كيساً يُعبّأ بملامح الارهاب العربي الحالم بإبادة الجنس السامي.

ما حدث في السابع من أكتوبر هو نقطة فاصلة في تاريخ القضية الفلسطينية والصراع العربي مع دولة الاحتلال، إنه إعلان فشل استراتيجية الاحتلال على نحو عام، وتجاه غزة على نحو خاص، فبعد ثلاثة عقود على معاهدة السلام مع الفلسطينيين، وبعد تحييد جيوش كبريات الدول العربية عبر المعاهدات، وبعد نحو عقدين من حصار غزة، استيقظت دولة الاحتلال في أواخر أيام أعيادها على عملية نوعية، لم تشهد مثلها منذ عقود، ولم تقدر عليها الجيوش النظامية لأكبر الدول العربية مجتمعة.

أدركت الشعوب في الحرب الأخيرة أن دولة الاحتلال دخلت عمليةَ السلام بمنطق الغلبة الأمنية، وقد أهانت شريكها الفلسطيني في التفاوض بأن حوَّلته إلى مجرد وكيل و حارس أمن، وباتت تسعى إلى مد جسور التطبيع مع بلدان عربية بعيدة، ولم تخلق استراتيجية سلام مع من هم أهم وأولى من ينبغي لها أن تخاطبهم وهم الفلسطينيون.
بدأت الشعوب في الغرب بإزالة حجاب الرؤية الذي فرضته حكوماتهم على أعينهم لعقود طويلة، بعد أن تجسدت أمامهم صورة المنتقم الذي يبطش دون اعتبار لقانون، أو قاعدة أخلاقية أو إنسانية، المهم البطش، وما يفرضه هو من قواعد شاذة للسلام.

من هنا، بات جلياً وواضحاً للجميع بأن العنف الذي أطلقه الغزيون ما هو إلا نتاج تراكم سنوات من الاحتقان والتأزم، ودليله ما تشهده عواصم العالم من حراكات شبابية وطلابية وما تشهده الإدارة الأميركية من جدل وما يشهده الاتحاد الأوروبي من سجال وما تشهده البرلمانات من مواجهات وانقسامات أمثلة على مفاعيل فلسطين وقضيتها في النقاش العام.

إن ردود الفعل الغربية على حرب دولة الاحتلال في قطاع غزة أحدثت تحولات عميقة في البنية الذهنية الغربية بصورة عامة والشبابية منها بصورة خاصة، و خسر الاحتلال سرديته القائمة على المظلومية، واعتبار أنها الدولة الديمقراطية الوحيدة بمنطقة الشرق الأوسط.

منذ ابريل/ نيسان الماضي ينفذ طلاب وأكاديميين في جامعات دول عدة، بينها الولايات المتحدة وكندا وبريطانيا وفرنسا وإسبانيا وصولاً إلى دول الشرق الآسيوي، فعاليات رافضة للحرب على غزة وداعمة لحقوق الفلسطينيين، ولاسيما إقامة دولتهم المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية.

حركة الطلاب في أمريكا تبعتها كل الجامعات في أوروبا، كردة فعل في الوسط الشعبي العادي، وخاصة الوسط الأكاديمي والمثقف، بما يمثل كارثة إستراتيجية بالنسبة للكيان الصهيوني.

على الجانب الآخر بدأت بعض الأصوات في دولة الاحتلال ترى الآخر الفلسطيني كإنسان يستحق الحياة الكريمة، بل بدأ يعترف بأن الغزو الصهيوني لأراضي فلسطين تسبب في آلام كبيرة لبشر حرموا من الحياة الكريمة. من هؤلاء نتذكر ميكو بيلد في كتابه: ابن الجنرال، وهو الناشط الذي تحولت عائلته من متعصبة للصهيونية، إلى داعية سلام مع الفلسطينيين. لكن شخصيات يهودية في الخارج أيضا، بدأت تسائل الدولة التي قامت على نفي الفلسطيني من أرضه لتحل مكانه، حول ممارساتها العنصرية حياله. وباتت هذه الأصوات مجتمعة، جزءا من حراك يدعو إلى السلام والعدالة.

أدركت الشعوب و أحرار العالم أن الكيان المحتل المغتصب لأرض فلسطين إنما قام على الأكاذيب التي أنتجتها مخابر الصهيونية العالمية منذ زمن بعيد، وتستمر الصهيونية العالمية إلى يومنا هذا بصناعة الأكاذيب وبمساعدة الدول الاستعمارية التي صنعتها ومكانتها من الوجود على حساب شعب مظلوم في فلسطين. في الوقت الذي بنت الصهيونية العالمية مبررات وجودها على مرتكزين أولهما ديني، بأحقية اليهود كشعب الله المختار في العيش في أرض الميعاد ، وثانيهما بهتاني محض، كتعرض اليهود لاضطهاد الدول والحكومات في أوروبا الشرقية ، ثم ما وصف بالمحرقة النازية في الحرب العالمية الثانية، فإن هؤلاء المظلومون زوراً، هم أنفسهم لم يتوانوا في استخدام العصابات اليهودية الإرهابية المسلحة وارتكاب المجازر الجماعية وتهويد الأرض والبشر والحجر في فلسطين من البحر إلى النهر، لتنجح الصهيونية العالمية فعلا في تقمص دور الضحية بدل الجاني.

إنّ الحراك القانوني على الرغم من ضعف فاعليّته ونجاعته العملية نظرًا لحاجته إلى قرار ملزم صادر عن مجلس الأمن أكسب فلسطين في الوجدان العالمي والرأي العام برمته زخمًا جديدًا، وأحدث تغييرًا جذريًا في التدافع على مستوى السرديات المتداولة والمنظور السائد بشأن الصراع على أرض فلسطين، ذلك أن تدخل محكمة العدل الدولية، ينبّه الرأي العام ويسنده في مسار التعاطف المتنامي المتصاعد إلى حقيقة معاناة الشعب الفلسطيني مع الاحتلال، وأحقيته في الحرية وتقرير المصير. وقد سلطت المؤسسة الدولية الضوء على معاناة الشعب الفلسطيني، وساعدت في التأثير الفعلي على تفكيك وتجلية جوانب الزيف والتضليل في الرواية السائدة التي عمل الإعلام الدولي على الترويج لها، وقد ظهر ذلك في التأثير الواضح على صورة الزعماء الغربيين أمام شعوبهم، بفعل انقلاب الرواية لصالح القضية الفلسطينية، ووقوع خيارات عدد من الدول في الانزياح الأعمى لدولة الاحتلال في أزمة أمام عملية القتل والخراب التي لا يمكن تبريرها.

كما أن محاكمة قادة الحرب عن الإبادة الجماعية، وإصدار مذكرات اعتقال بحقهم قد أزاحت ورقة التوت عن دولة الاحتلال مع التدمير الممنهج لكل مقومات الحياة في غزة، وتعطش قادتها الغير محدود للدم وإحلال الخراب، في صراع غير متكافئ بين قوة احتلال مسنودة سياسيًا وعسكريًا من الدول الكبرى، وإرادة تحرر لدى مليوني فلسطيني في قطاع، وأضعافهم في الضفة الغربية يعانون القتل والتجويع منذ قرابة القرن، والحصار الشامل للقطاع قرابة العقدين من الزمن.

تشتد العزلة الدولية الخانقة التي تواجهها حكومة حرب العدو، فبعد أيام على إصدار مذكرتي اعتقال بحق رئيس وزراء دولة الاحتلال ووزير حربه بتهمة ارتكاب جرائم حرب، وهي مذكرات تنتظر مصادقة قضاة المحكمة الثلاثة عليها، وكذلك إدراج جيش الإحتلال في القائمة السوداء للأمم المتحدة للدول التي تلحق الأذى بالأطفال في أماكن النزاع، بادرت ثلاث دول أوروبية إلى الاعتراف بالدولة الفلسطينية، وتبعهم البرلمان السلوفيني بالتصويت على الاعتراف بالدولة، وإن كان الاعتراف بالدولة الفلسطينية وحده محدود الأثر، كما أشار إليه دوغلاس براودفوت، السفير الكندي السابق في مدينة رام الله لراديو كندا، بقوله: "إننا لا نبني دولة بالاعتراف بالدولة"، لكن هذه المبادرة "ليست عديمة الفائدة، بل على العكس من ذلك"، وأضاف: "من الصحيح أن الاعتراف بدولة فلسطين هو أمر رمزي بحت، ومع ذلك، تكون الرموز في بعض الأحيان مهمة جداً"، إذ يشكل هذا الاعتراف "ضغطاً معيناً على دولة الاحتلال، ويجعلها تفهم أن للصبر حدوداً"، ناهيك عن أنه يمثّل "انتكاسة جديدة" لها، وخصوصاً أنه "يأتي بعد تصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة على قرار يدعو إلى جعل فلسطين دولة كاملة العضوية في الأمم المتحدة"، ولعل اللجوء إلى فرض عقوبات اقتصادية على دولة الاحتلال، والعمل على حجب الأسلحة عنها، قد يعززان هذه الخطوة الرمزية ويجعلانها ذات أثر أكبر.

ختاماً.. إن أصدق ما قد يوثّق النصر في أي معركة عسكرية، هو ما يتم تداوله على لسان العدو، وخصوصاً إذا اقترن ذلك بصدق الوقائع الميدانية والنتائج السياسية.
فشل الاحتلال في تحقيق أي من أهدافه المعلنة التي وضعها، وشهد التضامن العالمي تجاه القضية الفلسطينية تقدمًا ملحوظًا، ممثلًا بمظاهرات واسعة النطاق وفعاليات في العديد من المدن الغربية، وانتصرت فلسطين كقضية.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :