كنت أتابع عمليات إنزال المساعدات الإنسانية من الأردن إلى غزة المحاصرة بالنار والجائعة والمشردة. وتعجبت من أن ملك الأردن قاد رحلتين وسط النار والقذائف إلى سماء غزة، ليسقط منها المساعدات، وأن ابنته الأميرة سلمى شاركت فى قيادة طائرات الإنزال.
وبافتراض أن الأردن أبلغ الطرفين المتحاربين فى غزة بتوقيت ومسار طائرات إنزال مواد الإغاثة، فهذا لا يضمن سلامة ملك الأردن أو ابنته الأميرة سلمى. فالسماء مليئة بصواريخ ومدفعية وطائرات حربية وأخرى مسيرة، وقذائف من كل نوع، والأسلحة منتشرة فى كل مكان. ولا ضمان بأن المسلحين تلقوا جميعاً المعلومات عن توقيت ومسار طائرات المساعدات الأردنية. وفى كل الأحوال، فإن الخطر محدق بملك الأردن وابنته سلمى، وأنهما أقدما على قيادة طائرات مواد الإغاثة، والتى تتطلب خفض السرعة إلى أقصى حد، وكذلك الانخفاض قرب سطح الأرض، وإلقاء صناديق المساعدات قرب المناطق المأهولة، تحدى هذه المخاطر من جانب ملك الأردن وابنته ينبع من إحساس عميق بما يعانيه الشعب الفلسطينى، ومشاركة وجدانية معه فى محنته، ورغبة فى عمل أى شيء يخفف من معاناته مهما تكن المخاطر على عاهل الأردن شخصيًا وابنته. إن الدافع إلى تلك المشاركة هو الحب والمشاعر الإنسانية، والكشف للعالم عن هول المأساة التى يعيشها الشعب الفلسطينى فى غزة، والذى يواجه التدمير والإبادة والتجويع.
إنها نفس الدوافع الإنسانية العميقة التى دفعت المملكة الأردنية إلى الدعوة لعقد مؤتمر دولى فى الأردن من أجل «الاستجابة الإنسانية العاجلة لإنقاذ الشعب الفلسطينى فى غزة». ومثلما شاركت مصر مع الأردن فى إرسال طائرات إنزال للمساعدات إلى غزة، فإن مصر تشارك أيضًا إلى جانب الأردن والأمين العام للأمم المتحدة فى مؤتمر الاستجابة الطارئة لإغاثة غزة، وهو المؤتمر الدولى الذى يبدأ الثلاثاء المقبل فى الأردن. ويشارك فيه قادة ورؤساء حكومات ووزراء ومؤسسات إغاثة دولية، لتأخذ على عاتقها إجراءات عملية وفورية من أجل إرسال مواد الإغاثة لشعب غزة. ويحدد المؤتمر الاحتياجات العاجلة وسبل توفيرها وخطط إيصالها، ويضع الجانب الإسرائيلى فى مأزق إذا حاول عرقلة جهود كل تلك الوفود المشاركة، والتى لن تكتفى بعبارات الإدانة أو المطالبة بإرسال المساعدات، وإنما ستتخذ إجراءات عملية وفعالة من أجل تنفيذ هذه الغاية الإنسانية.
إن مؤتمر الأردن بمشاركة مصر والأمم المتحدة يختلف عن أى مؤتمر دولى سابق، ويخرج من دائرة المناشدات والدعوات التى لم تجد طريقها إلى التنفيذ العملى، بسبب التعنت الإسرائيلى ووضع العراقيل. فالمؤتمر هذه المرة لا يناقش إصدار بيانات أو مناشدات، بل يتخذ قرارات عملية وتنفيذية، وسيكون إيذانًا بتحرك دولى أوسع، ويفتح الطريق أمام قوافل إغاثة الشعب الفلسطينى بالفعل وليس بالقول.
وهناك تصميم واضح أن مخرجات المؤتمر تضع فى اعتبارها كل سيناريوهات المواجهة مع إسرائيل إذا ما استمرت فى المماطلة ومحاولة عرقلة وصول ما يكفى من مساعدات. وأن هذا الحشد الدولى له غاية إنسانية واضحة ومحددة، ولن يقبل بأى محاولة التفاف لمنع وصول مواد الإغاثة إلى أطفال ونساء وشيوخ غزة، وأن المؤتمر سيحشد كل الدعم السياسى والإعلامى الدولى من أجل إنجاح عمليات الإغاثة. لهذا، أتوقع أن يحقق هذا المؤتمر النجاح المأمول، وأن يفتح ثغرة فى تلك المعاناة الإنسانية، تصبح جسرًا للأمل.
"الأهرام المصرية"