وضع الاحتلال الصهيوني اهدافا محددة لعدوانه الشامل على قطاع غزة،اهمها القضاء على المقاومة الفلسطينية،تحرير اسراه،اقامة مناطق عازلة داخل القطاع تضمن امن المستوطنات والمستوطنين حول غزة،تهجير سكان القطاع ،وغيرها من الاهداف الطموحة التي تعجنها الاحلام والاوهام،لكن جميع تلك الاهداف انصهرت في هدف واحد لا ثاني له،وهو ابادة قطاع غزة بالكامل ،وهو ما يحدث منذ ثمانية اشهر وما يزال مستمرا حتى اليوم.
فشلت الاهداف جميعها،والحياة في قطاع غزة مستمرة وتتواصل،رغم الكلفة الباهظة،والتضحيات الجسام،يصنع الغزيون الحياة بكل تفاصيلها،يدمر الاحتلال المشافي ودور التعليم ،ومفاصل ومقومات الحياة الاخرى،ثم تعود لتعمل مرة اخرى ،وتتواصل الحياة،متغلبين على قساوة الظروف وصعوبتها،لا ماء ولا غذاء ولا دواء ولا هواء ولا وقود،ومع ذلك يستطيع الغزيون ان يطوعوا التحديات كلها لصناعة حياة تمكنهم من الصمود والاستمرار،رغم دهشة وتساؤل وتعجب المراقبين والمتفرجين.
كل ما يقع بين ايديهم ،يستخدمه الغزيون في صناعة الحياة،فقد اصبحت صواريخ الطائرات الاسرائيلية والامريكية وقذائف المدفعية والدبابات التي لم تنفجر،سلاحا استراتيجيا للمقاومة الفلسطينية،وصارت دبابات المركافاة مناشر للغسيل ،وملاعب لاطفال غزة ،وخيمة النزوح اصبحت مدرسة وجامعة ومسجد ومركز صحي ،والمدرسة المدمرة مسرح ،والمواقد صارت افران لانتاج الخبز اذا توفر القليل من الطحين ،اما الكارة التي يجرها الحمار ،فقد تفوقت كثيرا على منظومات الاسعاف والطواريء والهلال الاحمر والاخضر في العديد من الدول.
تفوق الغزيون على احزانهم واوجاعهم وآلامهم ،وعلى جوعهم وعطشهم وحصارهم ومرضهم ،وظلمهم وظلامهم،وعلى التخلي عنهم،وعلى نزوحهم ورحيلهم وترحيلهم ،وعلى كل نتائج هذا العدوان الوحشي الامريكي الاسرائيلي على قطاع غزة وانتصر صبرهم وصمودهم.
لا يمكن ان يشاهد المرء مشهدا يفيض حزنا وقهرا وظلما واجراما،بحجم حزن سيدة في عمر الورود ،وهي تحتضن رضيعها الشهيد ،وهي في حيرة من امرها،هل تصدق ان الرضيع فعلا مات،وترفض ان يدفن،او ان تستسلم للقدر وتسلم الرضيع الشهيد للدفن،فيما غيرها من الامهات من مختلف الاعمار ،يحتضن الابناء الشهداء ويتعالين على الاحزان،وينتظرن من يدفن فلذات اكبادهن ،لان الازواج وافراد العائلة الاخرين استشهدوا جميعا، او الامهات اللواتي فقدن كل الابناء او بعضهم شهداء.
في غزة فقط تسجى وتتكدس اجساد الشهداء ،تنتظر من يدفنها واين يمكن ان يدفنها.
لكن غزة تصنع الحياة والبقاء ،وتصنع الصمود والنصر والانتصار.