هل المرأة خارج سوق العمل .. ماذا عن أعمال الرعاية؟
سمر حدادين
05-06-2024 11:53 AM
ما زالت أحجية تدني مشاركة المرأة الاقتصادية تؤرق صانعي القرار والمجتمع المدني والجهات المانحة، فرغم كل الجهود الرسمية والوطنية لرفع المشاركة الاقتصادية للمرأة، سواء بتعديل حزمة التشريعات أو وضع الاستراتيجيات والخطط، وكان آخرها خطة التحديث الاقتصادي، والقيام بحملات ودراسات وغيرها من الإجراءات، إلا أن نسبة المشاركة الاقتصادية للمرأة ظلت متدنية، وتتراوح ما بين 13% و15.5%، وهي الأدنى في منطقة الشرق الأوسط والعالم.
تدني نسبة المشاركة الاقتصادية للمرأة لا يعكس نسبة تعليم الإناث في الأردن، فنسبة التحاق الفتيات بالجامعات هي أعلى من نسبة التحاق الذكور، إذ تشير الإحصاءات إلى أن نحو 69% من طلبة الجامعات الأردنية هن من الإناث.
عند الحديث عن تدني نسبة النساء في سوق العمل، لا نغفل عن ارتفاع نسبة البطالة عند كلا الجنسين في السنوات التي تلت أزمة كورونا، لكن الحديث عن البطالة كسبب لعدم الزيادة في تواجد المرأة في العمل لا يعكس حقيقة الواقع، ذلك أن النسبة لم تتغير حتى في ظل تحسن ظروف سوق العمل وانخفاض معدلات البطالة.
انسحاب المرأة المبكر من سوق العمل، أو عدم دخولها إليه، يشكل خللاً في الاقتصاد الوطني، فعماد أي اقتصاد هو الموارد البشرية، فإذا لم نستطع الاستثمار فيها وعكسها على اقتصادنا فإننا لن نتمكن من زيادة حجم اقتصادنا كما يجب، لأن العامل البشري هو العنصر الحاسم في عملية التنمية وقياس درجة التقدم الاقتصادي والاجتماعي.
كما أن مشاركة النساء ضمن القوى العاملة أمر غاية بالأهمية لتحقيق نمو اقتصادي، فالنساء يشكلن قرابة نصف عدد السكان في الأردن، وبقاء النصف معطلاً، أي خارج سوق العمل، ينجم عنه مشكلة اقتصادية، وسيكون الناتج الاقتصادي المتحقق من قدرته الحقيقية ضعيفاً، وبهذه الحالة سيكون من الصعب أن ينجح أو أن يتنافس مع الاقتصادات الأخرى، لأنه بالكاد يستطيع مثل هذا الاقتصاد أن يؤمن احتياجاته، هذا إذا افترضنا أن هناك قدرة لتأمين وظائف لجميع الرجال.
فمسألة تحقيق التكافؤ في فرص العمل بين الجنسين مهمة وستحقق قيمة مضافة للاقتصاد الأردني، وإذا تم إشراك المرأة بالتساوي مع الرجل في سوق العمل وتقاسم الجنسين مناصفة، فإن العائد وفق ما يقدره بعض الخبراء الاقتصاديين سيكون قرابة 5 مليارات دينار سنوياً.
خلال السنوات العشر الأخيرة، دار نقاش بين جميع المعنيين حول المعوقات التي تقف أمام زيادة مساهمة المرأة في سوق العمل، سواء على الصعيد الحكومي أو المجتمع المدني، وكل الفرضيات ذهبت باتجاه مشكلة المواصلات والتنقل لمكان العمل، والمضايقات التي تتعرض لها، وفجوة الأجور وتدنيها.
لكن لم تتطرق النقاشات إلى أمر مهم، تم إسقاطه من النقاش الدائر دون قصد، ربما لعدم إدراك تأثيره، ألا وهو أعمال الرعاية التي تقوم بها النساء دون أن تجد من يساعدها.
هذه الأعمال تتحول إلى أعباء تثقل كاهلها مع عملها خارج المنزل، ما يدفعها إلى الانسحاب من سوق العمل أو عدم التفكير بدخوله أصلاً، فوفق الأرقام، تقضي المرأة وقتاً أكبر في أعمال الرعاية مقارنة بالرجل؛ وفي الأردن تحديداً، وصل الوقت المحتسب، الذي تقضيه المرأة مقارنة بالرجل في أعمال الرعاية إلى نسبة هي الأعلى بين الدول العربي، فمقابل كل ساعة يقضيها الرجل في أعمال الرعاية فإن المرأة تقضي 19 ساعة.
هذه الأرقام الصادمة توجب علينا التوقف أمامها لقراءتها والبحث عن حلول خارج الصندوق، ولا تكفي الحلول التي تقف عند حد تسهيل البيئة الخارجية للعمل، بل علينا أيضاً إيجاد حلول تخفف عن النساء حجم العبء اليومي، من خلال معالجة مسألة أعمال الرعاية باعتبارها عائقاً أساسياً أمام مشاركة المرأة في النشاط الاقتصادي.
من الضروري توجيه الجهود المبذولة على مستويات التشريعات والسياسات والبرامج نحو وضع حلول قابلة للتطبيق، أحدها تقييم هذه الأعمال، التي هي بالأصل غير مدفوعة الأجر، وفق الحد الأدنى للأجور كجزء من الناتج المحلي الإجمالي، وهو ما سينعكس على الحجم الكلي للاقتصاد الوطني.
قضية العمل غير مدفوع الأجر الذي تقوم به المرأة في مجتمعاتنا قضية لم تحظَ بالنقاش الضروري حولها أو دراستها، وهي قضية مهمة تُظهر مدى مساهمة المرأة باقتصادها المنزلي، وبالاقتصاد الوطني أيضاً، وفي ذات الوقت يشكل العمل غير المأجور للمرأة معوقاً إضافياً أمام دخول المرأة سوق العمل التقليدي، واحتساب عملها ضمن الناتج المحلس الإجمالي، وهو م يجعل القضية مستحقة للقراءة والتحليل، وهو ما سأقوم به في مقالات لاحقة.