«شيفرات» الشرق المثير(1-2)
18-04-2011 04:27 AM
ثمّة ملاحظات جديرة بالإعتبار، حول المخطوطات والكتيّبات المعدنية، التي قيل مؤخّراً أنّه تمّ العثور عليها في الأردن، كي لا نقع مجدّداً في أشراك غير حقيقية. فكثيرون يذكرون المعارك الفعلية، التي خاضها رجال الدولة العبرية، عسكريون وسياسيون وأمنيون، في العقود الماضية، وفي معظم عواصم العالم، لتجميع «نُتف..» مخطوطات ولفائف البحر الميت، أو خربة دير قُمران في أريحا. تلك المعارك، التي لم تبدأ ب»إيغال آلون..»، ولم تنتهِ ب»موشيه دايان..»..!؟
في البدء، لا بُدّ من القول أنّ تلك المخطوطات، وحتّى الآن، لا شيء يثبت أنها وجدت في الأردن. ولا شيء يثبت أنها حقيقية. ولا شيء يثبت أنّها ، وعلى نحو قاطع، تعود إلى فترة وجود المسيح عليه السلام. بل ولا شيء يثبت ماهيّتها أو كميّتها ونوعيّتها. فهي ليست بحوزة أيّة جهة رسمية، لا إسرائيلية ولا أردنية ولا أجنبية. بل هي، زعماً، بحوزة رجل عربي من أراضي الخطّ الأخضر، يعمل في تجارة الآثار المهرّبة، كما قيل..!؟
وهنا، ينبغي التذكير، بأنّ الموضوع كتبت عنه وأثارته ، منذ أواخر آذار/مارس الماضي عدّة وسائل إعلام، أوروبية وأميركية، منها: «بي بي سي، صنداي تلغراف، ديلي تلغراف، تايمز، أميركا أون لاين..»، وغيرها. وقد جاءت التغطيات الإعلامية بعد «الإعلام والإخْبار..»، الذي قام به»ديفيد ألكينغتون..»، بناء على طلب ناشر كتابه، قيل أنّه بعنوان»المخطوطات والرصاص»، كشرط للنشر، وقُبيل أسابيع من موعد معرض لندن للكتاب، الذي يجري فيه الإشهار عن الكُتب والنجوم. وربما هذا ما دفع دائرة الآثار الأردنية إلى عقد مؤتمرها الصحفي الأخير حول الموضوع.
في بريطانيا، هناك مَن يقول عن «ديفيد ألكينغتون..»، أنّ إسمه الحقيقي هو»بول..»، وهناك مَن يعرفونه بأسماء أخرى. بل وهناك مَن يقول أنّه يصلح بأن يوصف بأيّ شيء آخر، سوى أن يُقال عنه: أنّه «مِن علماء الآثار الدينية القديمة..»، أو حتى «الباحث العلمي..»..! وهناك من يتطرفون في وصفه، فيقولون أنّه «محتال..»..!؟
أما المعلومات الثابتة عن «ديفيد ألكينغتون..»، فهي: أنّه مولود في بريطانيا، قبل تسعة وأربعين عاماً، وأنّه قضى طفولته وسنواته التكوينية في أستراليا ونيوزيلندا وأندونيسا، برفقة والديه. وقد تدرّب كفنّان(..!)، في أكاديمية «باث..» للفنون، وتطورت إهتماماته في دراسة العلاقة بين الأساطير المسيحية وعلاقتها بالمواقع المقدّسة. حيث تنقّل «ألكينغتون..»، خلال الثلاثة عقود الماضية، بين أوروبا والشرق الأوسط، لدراسة أساطير العالم، واللغويات، والصوتيات والموسيقا والعمارة وغيرها. كما عمل مستشاراً لحكومة سيراليون ومحطة ال»بي بي سي..» ووكالة «ناسا..»، وله عدّة محاضرات عن: الرنين الصوتي، والحياة والوعي.
أما تصريحاته، التي حفلت بها التغطيات الإعلامية الأخيرة المثيرة، فكانت من طراز:
- «خبير آثار إنجليزي وزوجته يعثرون على مخطوطات في كهف بعيد في شرق الأردن.. وهي المنطقة، التي يُعتقد أنّ المسيحيين الأوائل فرّوا إليها بعد تدمير الهيكل اليهودي في القدس». «نحن (أي ألكينغتون وزوجته) نعمل الآن مع السلطات الأردنية لإعادة القطع الأثرية». « خبير الآثار الإنجليزي وزوجته يختفيان، مباشرة بعد إعلانهما عن الإكتشاف، خوفاً على سلامتهما، وبعد تهديدات بالقتل، في مزرعة نائية في الريف الإنجليزي».
- «مغامرات غامضة، في بلاد ال (عباءة وخنجر..)، يخوضها الزوجان الإنجليزيان، للحفاظ على قطع أثرية دينية، لا تقدّر بثمن، لإنقاذها من براثن عديمي الضمير.. نيران بنادق توجّه نحوهما في الأردن «. «قصة رائعة بكل المقاييس ، تستحقّ بالتأكيد فيلماً من أفلام الإثارة والخوف: إنها حكاية تهديدات بالقتل، وطلقات نارية دموية ، عصابات على غرار المافيا ... وأكاديميون يخشون ضياع المخطوطات في السوق السوداء».
- تمّ إقحام أسماء رجال دين، وخبراء آثار ولغات قديمة دوليين، مثل: رئيس أساقفة «كانتربري..» ، الدكتور «روان ويليامز..» ، البروفسورة «مارغريت باركر..» ، الرئيسة السابقة لجمعية دراسات العهد القديم، والخبيرة في الدراسات المسيحية في وقت مبكّر. البروفيسور «فيليب ديفيز..» ، الأستاذ الفخري في الدراسات التوراتية، في جامعة «شيفيلد..». البروفسور «أندريه لومير..» ، الخبير في النقوش القديمة من جامعة «السوربون..»، وغيرهم. ثمّ يجري نسيانهم، أو قُل التغاضي عن جوهر آرائهم، وتشويهها أحياناً، في سياق التغطية المثيرة.(.. يتبع).
محمد رفيع
جريدة الرأي
14-4-2011
«شيفرات» الشرق المثير(2-2)
تحدّثنا، في المقال السابق، عن بعض أشكال الإثارة الإعلامية، في تغطية ما قيل أنّه مكتشفات تعود إلى فترة المسيح عليه السلام. أما أفكار الإثارة، التي يجري تسويقها، وقبل رؤية المخطوطات ودراستها بشكل حقيقي، فيما إذا ثبتت صحتها وأصالتها، فهي من طراز:
«الكنز الدفين، الذي كهرب الأكاديميين..». «في حال ثبتت صحة المخطوطات ، يمكن أن تطغى على أهمية مخطوطات البحر الميت ، وهي النصوص الدينية التي تشمل أقرب نسخة معروفة من الوصايا العشر، التي عثر عليها في 1947...». «العثور على مخطوطات، قبل خمس سنوات، في كهف في الأردن، يمكن أن تُحدث تغييراً عميقاً، حول ما حدث في الفترة ما بين موت يسوع وظهور رسائل القديس بولس، وذلك بعد ترجمتها وفك شيفرتها «. «لغز الكنز الدفين، وحكاية الكهف الذي جرفته السيول، ليكشف عن شمعدان يهودي. و»كيف سقط الكنز في يد البدوي الإسرائيلي، حسن سعايدة ..؟».
والحقيقة أنّ حديث المخطوطات لم يبدأ مع الحملة الإعلامية ل «ألكينغتون وزوجته..»، في أواخر آذار/مارس الماضي. بل بدأ في مطلع الشهر نفسه، مع «روبرت فيذر..»، الذي نشرت تحقيقاً عنه مجلة «الجويش كورنيل..» اليهودية، تحت عنوان «أسرار المعادن الثقيلة من كهف في الشرق الاوسط». و»فيذر..»، هو أحد الأشخاص الذين إتصل بهم سعايدة، لتحديد أهمية المخطوطات، وله كتاب عن لفائف البحر الميت النحاسية، كما أنّه عضو الكنيس اليهودي في غرب لندن.
أما رؤية «فيذر..» للمسألة، فيحدّدها كما يلي:
- تعود المخطوطات إلى حسن سعايدة، وهو مزارع عربي من البدو في الجليل. حيث يزعم أنّها كانت في حوزة أسرته، كميراث من جدّه الكبير، الذي تمكّن بدوره من العثور عليها في كهف في الأردن ، قبل قرن من الزمان. وهناك روايات تقول أنّه تمّ العثور عليها قبل نحو ثلاث أو خمس سنوات، في منطقة في الأردن.
- تتكوّن مجموعته من أكثر من عشرين مخطوطة صغيرة من الرصاص(بينما يقول ألكينغتون وزوجته أنّها أكثر من سبعين)، الواحد منها بحجم البطاقة البنكية، وتحتوي على رسائل مشفّرة، بالعبرية واليونانية، مع رموز يهودية مثل الشمعدان.
- تعامل بحذر مع الإكتشاف، وقام بزيارة للكهف الذي قيل أنّ المخطوطات جاءت منه.
- يؤكّد أنّ سلطة الآثار الإسرائيلية ترفض فكرة أهمية المخطوطات، وتقول أنّها بلا أيّة قيمة، لأنّ الخبراء الذين فحصوا بعضاً منها يشكّكون في صحتها على الإطلاق. ووفقا لجمعية دولية، فإنّ سلطة الآثار تزعم أنّ الكتب تنتمي إلى خليط من فترات متعارضة، ومن دون أي إتّصال أو روابط منطقية بينها. حيث يمكن العثور على مثل هذه الزخارف المزوّرة بالآلاف، في أسواق الآثار في الأردن، وفي أماكن أخرى كثيرة في الشرق الأوسط. كما يقول بعض الخبراء أنّها «مزيّفة بشكلٍ متطوّر».
- هناك مكتب محاماة يمثّل صاحب المخطوطات أو مالكها، هو مكتب «ساسون بار عوز..» الإسرائيلي. وأنّ المسألة الآن «هي أن تكون المخطوطات حقيقية» أم لا؟.
- تمّ إرسال قطعة من الجلد ، تحمل صورة تمساح ، لفحصها، حيث قيل أنّها وجدت مع الكتيّبات المعدنية، وتبيّن أنّ تاريخها يعود إلى ألفي عام تقريباً، ولكنّ ذلك يحتاج إلى فحوصات أكثر دقّة، للتمكّن من الوثوق من هذه النتيجة.
- قام «فيذر..» بنشر صورتين، واحدة له في الكهف الأردني، والثانية لإحدى الكتيّبات وهو مفتوح، ومن دون أن يضع إسمه عليها، كما فعل «ألكينغتون وزوجته..» في كلّ الصور المنشورة، كحقوق ملكية فكرية لهما.
يعتقد البعض أنّ الأدلّة، الأكثر تعبيراً عن الأصل المسيحي المبكّر، تكمن في الصور التي تزيّن أغلفة الكتب، وكذلك بعض من صفحاتها، التي تم فتحها حتى الآن.
أما صحيفة «الجيروزالم بوست..» الإسرائيلية، فتقول أن المخطوطات مزوّرة، وأن الأكاديميين في سلطة ألاثار متعوّدون على حسن سعايدة، في الظهور كلّ بضعة أعوام، للترويج لهذه الآثار، من أجل بيعها في السوق السوداء.
في أوروبا، هناك مَن يعتقد أن سوق البحث عن الكنز المسيحي الدفين قد إزدهرت على نحوٍ واسع، بعد نشر رواية الأمريكي «دان براون..» الشهيرة»شيفرة دافنشي..». وأن المخطوطات الجديدة هي واحدة من تلك المحاولات، فكثيرون صاروا يبحثون عن «شيفراتهم..» الخاصّة، في كهوف الشرق المثير والغامض..!؟
الراي.