قراءة في نتائج انتخابات الجامعة الأردنية
محمد كامل العمري
04-06-2024 08:22 PM
لم تفرز الانتخابات الطلابية في الجامعة الأردنية واقعاً جديداً يتماشى مع أطروحات التحديث السياسي من خلال برمجة الحيز العام بجعله أكثر قابلية للتسييس، ولكن يمكن القول إن الانتخابات الطلابية كانت "بروفا" استباقية للانتخابات البرلمانية المقبلة، التي ستشهد، بدورها، ولادة مرحلة حزبية تكتمل مراحلها بالوصول إلى حكومات برلمانية منتخبة، حسب الجدول الزمني لآلية التحديث السياسي المعلن عنها. اضافة إلى ذلك يمكن التأشير، من زاوية متصلة، على جدية الدولة الأردنية في الذهاب نحو الاستحقاقات الدستورية المنتظرة من دون الدخول في دوامة "التخويف" من إمكانية سيطرة الإسلاميين على المشهد السياسي، كما جرت العادة عند كل استحقاق انتخابي.
الانتخابات الطلابية في الجامعة الأردنية دارت ، بشكل أساسي، بين قطبين، الأول وهو التيار الإسلامي من خلال قائمة "أهل الهمة"، والثاني التيار الذي بعتقد أنه يميل للصوت العشائري وهو ما يتمثل بقائمة "النشامى". وعلى الاتجاه المقابل كان هناك حضور متواضع للاتجاه الليبرالي عبر قائمة "لنا المستقبل". وقد تخللت الانتخابات -كما هو معتاد- مشاهد عنف عشائري تحولت معها بعض الكليات إلى ما يشبه الاقتتال المتبادل، هذا فضلاً عن حالة التفاخر الجهوية التي رافقت الحملات الانتخابية.
وفي قراءة للغة الأرقام نجد أن عدد الدوائر الانتخابية هي ١٩ بواقع دائرة لكل كلية وبمجموع كلي ٩٣ مقعد، ودائرة عامة خصص لها ١٨ مقعد، أي بمجموع ١١١ مقعد على مستوى الجامعة، حيث حصلت قائمة "النشامى" على ٥٧ مقعد على مستوى الكليات، في حين حصلت قائمة "أهل الهمة" على ٣٧ مقعد، أما على مستوى القائمة الموحدة فقد تناصفت كلتا القائمين على عدد المقاعد.
ضمن هذه النتائج يبرز سؤال مهم يتردد صداه على ألسنة الأردنيين: هل يمكن اعتبار نتائج الانتخابات الطلابية -بالضرورة- صورة مصغرة عن الحياة السياسية المقبلة؟، وهل المرحلة القادمة ستكون مقتصرة بين جبهتين أساسيتين فقط؟، وما هو حال الخارطة السياسية المرتقبة؟، ربما علينا البحث عن إجابة مقنعة على هذه الأسئلة وغيرها، إذ يسود اعتقاد أن الدولة الأردنية تتجه نحو تثبيت المعادلة السياسية ضمن التالي: جبهة سياسية متكونة من أبناء العشائر (هكذا يصنفون أنفسهم) يعيشون في حالة وطنية متخيلة، ويراد بهم مواجهة التيار الإسلامي الذي يشهد تصاعداً في قدرته التأثيرية على الجماهير.
على الجبهة المقابلة تغيب الأصوات العلمانية وتقتصر على اليسار القومي، الذي هو بطبيعة الحال أصبح عبارة عن أداة "ترقيعية" للميليشات الإيرانية، وحتى بعض الأحزاب التي تدعي أنها تمثل الصوت المدني فهي أيضاً لم تسلم من "الترقيع" والمزاودة التي تنتهجها الأحزاب الشعبوية مثل الموقف من المقاطعة وعدم القدرة على اتخاذ موقف نقدي واحد بما يخص المسألة الفلسطينية، وبالتالي فإننا ازاء واقع يملؤه "التشنج": أحزاب تحولت بفعل الأمر الواقع إلى صيغ عشائرية وجهوية مفضوحة، في مقابل تيار اسلامي نجح في تسييس قاعدته الشعبية بل وتوحيدهم نحو يوتوبيا فوقية.
وعلى هذا المنوال ربما كان الهدف من انبعاث الحياة السياسية من جديد (حسب المخيال الخاص بالنظام السياسي) هو لتجاوز حالة الترضية التي تنتهجها مؤسسات الدولة (وعلى الأخص السيادية منها) تجاه البنية العشائرية والجهوية، ولكن مما يتضح فإن واقع التسييس المنشود ليس سوى آلية إعادة للوجوه القديمة، ناهيك عن عجز المنظومة السياسية (باستثناء الإخوان المسلمين) على خلق مساحة واضحة للنقاشات الآيدولوجية.
الأحزاب الحداثية أو تلك التي تنطوي على قدر كبير من احترام الحريات الفردية، لا تستطيع -بكل أمانة- أن تعلن عن مواقفها في الحيز، وذلك خشية التعرض للانتقام من الجماهير أو من قبل بعض المؤسسات التي لا يروق لها بزوغ نجم التيار الليبرالي في الساحة الأردنية، وبالنتيجة نحن إزاء مشهد يمكن وصفه بالغموض؛ الانتخابات البرلمانية المقبلة -وفق اعتقادي- لن تكون سوى نموذج مكرر من ذات الوجوه القديمة، حتى لو اختلفت الشخصيات الرابحة، طالما لا توجد حالة تسييس واضحة فإن مسار التحديث السياسي سيكون على المحك، والفائز الأكبر هو التيار المحافظ!.