لماذا شيطنة القطاع الخاص؟
باتر محمد وردم
18-04-2011 03:40 AM
هناك طوفان من البيانات والتصريحات والشعارات التي تصدرها أحزاب وتيارات سياسية وشخصيات عامة تحاول أن تقدم تفسيراتها الخاصة للأزمة الاقتصادية-السياسية في الأردن والتي تستدعي برامج سريعة للإصلاح. ولئن اختلفت الكثير من التفاصيل ما بين الجهات التي تصدر مثل هذه البيانات والتصريحات فإن هنالك شبه اتفاق على أن واحدة من أهم اسباب الفساد في الأردن هو التزاوج ما بين السلطة والبزنس في السنوات الماضية، كما أن عدة تيارات سياسية واجتماعية تحاول أن تقتصر تهمة سوء إدارة الموارد الوطنية نحو القطاع الخاص.
من دون التجني والبحث عن الاسباب التي يريد الناس أن يصدقوها فإن أزمة الاقتصاد الأردني البنيوية تتمثل بشكل اساسي في تزايد الإنفاق العام غير المبرر ما بين 2004-2009 والذي تسبب في زيادة العجز من 200 مليون دينار إلى 1,4 مليار دينار، ومن دون البحث والتقصي عن الأسباب الحقيقية وراء هذا الإنفاق السائب في القطاع العام لا يمكن تشخيص المشكلة ولا معالجة آثارها بالطريقة الناجحة، وسنبقى نبحث عن كبش فداء نلقي اللوم عليه ومنه شركات القطاع الخاص.
في حال تم التخطيط لأية نهضة اقتصادية في الأردن فإن القطاع الخاص هو الذي سيلعب الدور الأساسي في تأمين الوظائف الجديدة وهو بالتالي بحاجة إلى المزيد من الدعم المؤسسي والتشريعي ولكن ايضا مع التزام حقيقي من قبل القطاع الخاص بمبادئ المسؤولية الاجتماعية. لقد وصلت الحكومة إلى الحد الاقصى من قدراتها المالية في تأمين الوظائف وتبدو التحديات هائلة أمام اية موازنة في تأمين الخدمات الأساسية وخاصة الصحة والتعليم والطاقة والمياه والنقل لتضاف إلى الفاتورة الكبيرة للرواتب والتقاعد. وبالنسبة للذين يعتبرون أن ميزانية الأردن هي ميزانية ليبرالية لا بد من التذكير بأن حوالي 65% من الناتج المحلي الإجمالي يعود للقطاع العام وهي نسبة تقارب كثيرا الدول الإشتراكية وليس ذات الاقتصاد الليبرالي.
ومن الواضح ايضا أن اضطرار الدولة للتخفيف من وطأة الاحتجاجات الشعبية ذات المطالب الاقتصادية والاجتماعية سيكون عن طريق تخصيص المزيد من الموارد العامة للإنفاق الجاري وهذا يعني التقليل من التنمية البشرية والإنفاق الرأسمالي الذي يطور الخدمات. إن هذه الخسارة في الخدمات التنموية لا يمكن إلا أن تعوضها برامج المساعدات الخارجية أو المنظمات غير الحكومية أو القطاع الخاص.
إن النسبة الأعلى من الوظائف الجديدة في الأردن سوف تحتاج إلى بيئة تشريعية ومالية مساندة للمشاريع الصغيرة. وهذا يعني تدريب الشبان والمجتمعات المحلية على إعداد مشاريع تدر الدخل وتعزيز فرص الحصول على التمويل من مؤسسات التمويل الصغير سواء المحلية منها أو العربية وكذلك دور البنوك في إقراض المشاريع الصغيرة وأخيرا وهذا هو الأهم القضاء التام على أية ظواهر في الفساد والتأجيل للمعاملات الرسمية المطلوبة لتسجيل وترخيص هذه المشاريع والتي عادة ما تستنزف نسبة قد تصل إلى نصف المبلغ المخصص لتنفيذ المشاريع. وما يساعد في هذا التوجه وجود نسبة كبيرة من الشبان الأردنيين المتعلمين والمبدعين والذين يحتاجون فقط إلى إزالة العقبات البيروقراطية والمالية في بدايات تطوير المشاريع وتحصينهم من تغول حيتان السوق في القطاعات التي يعملون بها.
جرأة القطاع الخاص لدعم مشاريع إنتاجية ذات قيمة توظيفية عالية قد تتأثر في هذا الجو السلبي من الاتهامية والشيطنة للقطاع الخاص ناهيك عن التقلبات السياسية غير المريحة، ولا بد من الوصول ولو متأخرين إلى قناعة أن القطاع الخاص وليس الحكومة هي الجهة التي سوف توفر معظم الوظائف الجديدة، ولا بد من تعديل سياسات التعليم والتدريب وبناء القدرات والتمويل لخدمة هذا التحول الذي لا هروب منه في ظل الإجهاد التام لميزانيات الحكومات المتعاقبة.
batirw@yahoo.com