الأحزاب وتشريع المال السياسي .. قراءة نقدية
سامي شريم
04-06-2024 03:49 PM
تشكل الانتخابات النيابية في الأردن محكًّا حقيقيًا لقياس مدى تقدم الديمقراطية والنزاهة في العملية السياسية. ومع وضع اللوائح والقوانين ومنح الأحزاب امتيازات لتشكيل قوائم وطنية حزبية استعدادا لاشراك الأحزاب حقيقة في العمل البرلماني وإيصال كفاءات قادرة على نقل البرلمان الأردني إلى دائرة الفعل الذي شابه الكثير من العور لأسباب معروفة حيث لعب المال السياسي دورا هاما في تشكيل البرلمانات الأردنية ولا زالت المشكلة قائمة بسبب التطبيق الانتقائي لهذه التشريعات.
وهنا استعرض دور الأحزاب السياسية وتطورات المشهد السياسي الأردني في ظل التأثير المستمر للمال السياسي.
لطالما كان المال السياسي، المعروف بالمال الأسود، العامل الرئيسي في وصول العديد من النواب إلى البرلمان الأردني. رغم التشريعات التي تهدف إلى الحد من هذا التأثير، فإن تطبيق هذه القوانين بصفة انتقائية يؤدي إلى نتائج متباينة. على سبيل المثال، تم حبس بعض الأفراد بينما تم إطلاق سراح آخرين وفقًا لرغبات الحكومات ومواقف النواب السابقين خلال جلسات البرلمان.
في السنوات الأخيرة، بدأت الأحزاب تأخذ دورًا غير مسبوق في الحياة السياسية الأردنية بفضل الامتيازات التي يمنحها القانون، مثل تشكيل القوائم الوطنية. هذه الفرصة الثمينة التي راهن عليها الوطنيون الذين ناضلوا من أجل إحداث نقلة نوعية في الحياة السياسية، جاءت الأحزاب لتفسدها. بدلاً من تعزيز الكفاءة والقدرة، عادت بعض الأحزاب إلى بيع المراكز الأولى لمن يملك المال، مما يعيد إنتاج نفس المشكلات السابقة.
اليوم، تتزايد أهمية ودور الأحزاب في تشكيل المشهد السياسي، ولكنها تفشل في تحقيق الأهداف المرجوة. بيع المراكز الأولى في القوائم الوطنية لمن يملك المال بدلاً من اختيار الكفاءات يشكل خطرًا كبيرًا على مستقبل الحياة السياسية في الأردن. هذه الممارسات تحول دون تحقيق برلمانات كفؤة قادرة على مواجهة حكومات ضعيفة وسلطات خائفة، مما يعرقل دور النواب في الرقابة والمحاسبة.
وعليه فقد بات من الضروري أن تتخذ الهيئة المستقلة للانتخابات خطوات جادة لضمان الشفافية والمساءلة. يجب أن تُلزم الأحزاب بالإعلان عن المبالغ التي يدفعها أصحاب المراكز الأولى، وتوضيح كيفية استخدام هذه المبالغ. هذه الأموال قد تُستخدم كرشى لأمين عام الحزب أو للجنة اختيار مرشحي الكتل الوطنية، مما يقوض نزاهة العملية الانتخابية ويضيع الجهود المبذولة للخروج من الدائرة المفرغة التى ذهبت بالعمل البرلمان بعيدا عن الدور الفاعل المتوخي في ظل الظروف التى تمر بها المنطقة عموما.
ولضمان نزاهة الانتخابات، يجب على الهيئة المستقلة للانتخابات تحديد سقف لمصاريف الحملات الدعائية للقوائم الوطنية والمرشحين المستقلين. هذه الخطوة تساهم في تحقيق تكافؤ الفرص وتضمن أن يتم اختيار النواب بناءً على كفاءتهم وقدرتهم على خدمة الوطن والمواطنين.
إن تعزيز نزاهة العملية الانتخابية في الأردن يتطلب تضافر الجهود بين الهيئة المستقلة للانتخابات، والأحزاب السياسية، والمجتمع المدني. بما يلزم لوضع حد لتأثير المال السياسي، سواء كان أسودًا أم شرعيًا، من خلال تعزيز الشفافية والمساءلة واختيار الكفاءات. إن لم تتحقق هذه الخطوات، فسيظل المال السياسي مسيطرًا على المشهد الانتخابي، مما يعرقل تحقيق برلمانات كفؤة وقادرة على مواجهة التحديات الوطنية.