من كواليس حرب حزيران 1967
د.بكر خازر المجالي
04-06-2024 10:02 AM
"بلا عنب بلا بطيخ، دول فوق رؤوسنا"
حرب حزيران 1967 والتي كانت كارثة عربية كشفت هشاشة نظام الاستخبارات العربية وفقدان التنسيق العسكري وغياب الخطة الموحدة، وكشفت الغرور والاستهتار بكل شيء، مقابل عدو أعد خطته وحتى انه كان يكشف جوانبها وسط عدم جدية العرب باعتبار كل معلومة مهما صغرت.
بعد 57 عاما على هذه الحرب التي هي أساس ما آل عليه الوضع العربي حتى الان، فهي تحمل في ثناياها اسرارا ما عادت اسرارا، وكشفت محاكمات قادة جيش مصر للعديد من المعلومات ونشرت سلسلة كتب ومذكرات تتناول التقصير العربي.
من كواليس الحرب أقف عند هذا الخبر الذي يقول: "*** في اليوم الثالث من حزيران من عام 1967م، استقبل المغفور له الملك الحسين طيب الله ثراه السفير التركي في عمان، الذي نقل الى جلالته معلومات عن خطة اسرائيلية قريبة التنفيذ لمهاجمة المطارات المصرية بصورة مفاجئة، وأيد هذه المعلومات السفير العراقي حينها، وتم تكليف اللواء عامر خماش رئيس الاركان الاردني لابلاغ المصريين، وتم ابلاغ عبدالمنعم رياض قائد الجبهة الاردنية المكلف بقيادتها."
وليس هذا فحسب، بل حين نقرأ في مذكرات وزير الحربية المصري "محمد فوزي" حول قصة رادار عجلون، هذا الرادار الذي كشف اسراب الطائرات المعادية وهي في طريقها للمطارات المصرية وارسل الرادار الاردني الكلمة الرمزية "عنب...عنب...عنب" لم يستطع الدفاع الجوي المصري تحليل الشيفرة، بسبب عدم تغيير الشيفرة السرية المتعارف عليها بين البلدين في موعدها وبقاء الشيفرة القديمة، ووصلت الطائرات الاسرائيلية الى أهدافها وبعد لم يتم تحليل الشيفرة، ونفذ العدو هجومه، ومن ثم تنبه المراقبون في الرادار المصري وتمكنوا من معرفة الشفرة، وجاء الرد: "بلا عنب بلا بصل، دوول فوق رؤوسنا"
ولا يوجد تفسير لما ورد في مذكرات سعد الدين الشاذلي الذي كان قائد كتيبة دبابات في سيناء لتلك الاوامر التي طلبت من كل قادة الجيش من مستوى كتيبة فأكثر للاجتماع فجر الخامس من حزيران في قاعدة جوية مصرية في وسط سيناء، ونقلت طائرة هيلوكبتر الشاذلي واخرين الى تلك القاعدة، والتقى الجميع في هذه القاعدة ولتبدأ معركة الهجوم ثم ليتفرقوا بسرعة في محاولة للعودة الى وحداتهم لقيادتها ولم تستطع الطائرات التحليق من جديد لتسهيل العودة الى وحداتهم، ولم يستطيعوا العودة بتلك السرعة، واصبحت لهم معركة خاصة بين الحفاظ على البقاء وتلمس طريق العودة، ومثل سعد الدين الشاذلي فقد وصل الى كتيبته بعد الساعة الرابعة مساء وهو لا يعلم ما يجري على الارض. وهناك قادة كانوا في الجو، أي اننا لا ندرك ما هي حالة الطوارئ القصوى في تلك الظروف؟
ونحن أردنيا دخلنا المعركة، ولكن كما يقول المغفور له الملك الحسين في كتابه "حربي مع اسرائيل" اننا دخلنا حربا لم نرِدها "وكم وجه النصائح للقادة العرب في لقاء القاهرة يوم 30 حزيران 1967 حين قال نحتاج الى ستة أشهر للتحضير والاستعداد والتخطيط لعمل عسكري ضد العدو. ولكن كيف سارت الامور وكأن هناك من يرتبها ويقوم بتحريك أحجار على رقعة شطرنج.
وأردنيا كانت القصة تأخذ بعدا آخر جمع بين الوهم في الانتصار حسب التلفونات وأخبار التفوق وتساقط طائرات العدو كالذباب، وبين الواجب القومي العربي، وكان القرار الاردني بخوض المعركة لنتجرع كؤوسا من الألم وفقدان الارض والشعب، ولكن كانت همة الملك الحسين طيب الله ثراه أن يتجاوز مخلفات المأساة باعادة بناء الجيش والتركيز على المعنويات واستضافة النازحين بكل تلك الامكانات الاردنية المتواضعة.
ربما نستخدم مصطلحات مثل "شبح حزيران، وحزيران الاسود، والنكسة، ولكن كل هذه أسقطها الجيش العربي الاردني في معركة الانتصار في الكرامة بعد أقل من سنة على الشبح والانكسار والنكسة.