يعلم الجميع أنه وفيما مضى وفي غياب الدول والمؤسسات فقد رسمت سلطة النفوذ والسيطرة في القبائل والعشائر أعرافاً وقوانين صارمة ضبطت الحياة العامة وفرضت الأمن والاستقرار وصانت المصالح وعززت العلاقات والتحالفات في مناطق النفوذ، وفي ظل سيطرة دولة المؤسسات والقانون فقد تم قوننة الكثير من هذه الأعراف والقوانين، وتم تهذيب الآخر منها فشكّلت بمجموعها دساتير وقوانين وأنظمة تسير بهديها الدول في يومنا هذا..
ومن المؤسف أن نجد اليوم من ابناء جلدتنا من يعتقدُ بأن التمسك بالعادات والتقاليد والقيم النبيلة والفاضلة التي تربينا عليها في قبائلنا وبوادينا، هو مظهرٌ من مظاهر التخلف أو الرجعية او أنه نقيض المدنية الحديثة التي سحرت الكثيرين من شبابنا الضائعين والمهووسين بالغرب ومدنيته واباحيته المخزية.. والذي يقرأ التاريخ يعلم حق العلم بأن مدرسة القبيلة أو العشيرة تُعدُّ من اقدم وأنجح مدارس التربية الديمقراطية والحزبية والسياسية في هذا العالم الرحب.
ولعل المُطّلِعُ الحصيف يعلم تمام العلم بانه وفي غياب دولة المؤسسات والقانون فقد شكَّلت القبيلة بمجموعها وحدة بشرية اجتماعية متجانسة وحزباً سياسياً متكامل الاركان ببرامجه وقياداته ومبادئه وأهدافه، وكان شيخ القبيلة وزعيمها هو الأقرب لموقع الأمين العام للحزب فيما أصحاب الرأي والمشورة في القبيلة هم مجلس حكماء هذا الحزب ومجلس مشورته وهم مكتبه السياسي وقياداته التي ترسم الاهداف وتضع البرامج وتحدد المصالح وتعقد التحالفات وكل فردٍ من افراد هذه القبيلة يُعدُّ عنصراً مؤازراً وفاعلاً ومؤثراً فيها يدافع عن الارض ويذود عن المصالح ويجاهد لتحقيق الأهداف السامية الرفيعة لقبيلته.
واليوم، وفي ظل سلطة الدولة ودستورها وقوانينها وانظمتها فإننا مدعوون كأبناء قبائل وعشائر كان لها دورها في بناء هذه الدولة أن نؤمن ايماناً مطلقاً بأن العشائرية الفاضلة والعاقلة والرزينة تعني الانضباط وتعني الصدق والعنفوان والشموخ.. ولا تعني ابداً النزوع الى الفوضى او الإنفلات او الخروج على القيم والاعراف والأنظمة والقوانين.