من رام الوصول إلى هدف وإن طال به الأمد ..
معتز بالله عليان
02-06-2024 01:43 PM
دروس وعبر من رواية "العجوز والبحر"
استوقفتني رائعة الكاتب الأمريكي "إرنست هامنغوي"، وهي آخر رواية قصيرة كتبها قبل وفاته، والتي حازت على جائزة نوبل في الأدب عام 1954م. في كل مرة كنت أقرأ ما جرى لذلك البحار العجوز كان يزداد يقيني بأن الله سيحدث من بعد ذلك أمراً، فأتشبّث بالحلم، وأتعلق بالأمل، فلا بدّ من الوصول حتى ولو بعد حين.
سانتياغو ، ذلك البحار والصيّاد العجوز، الذي ركب البحر لمدة 84 يوماً في محاولة للعودة بصيد يعينه على الحياة، ورغم ذلك لم يتمكن من اصطياد سمكة واحدة من البحر. كان لديه مساعد شاب اسمه مانولين، علمه الصيد منذ أن كان عمره 5 سنوات. وبسبب الفقر المدقع الذي كان يعانيه سانتياغو وعدم قدرته على الحصول حتى على لقمة العيش خلال كل تلك الأيام، اضطر مانولين بضغط من والده لترك العمل مع سانتياغو والبحث عن عمل على متن قارب آخر. وفي كل مساء، عندما كان يعود سانتياغو خالي الوفاض، كان مانولين يشعر بالحزن ويخرج لمساعدته في حمل المعدات إلى المنزل، وإحضار بعض الطعام له.
في اليوم الخامس والثمانين، قرّر سانتياغو البدء في رحلة مدتها ثلاثة أيام أخذته بعيدًا إلى البحر بحثًا عن صيد كبير. وشاء القدر له أن يصطاد سمكة كبيرة كان حجمها يفوق حجم قاربه. بدأ سانتياغو في صراع هذه السمكة، ورغم ضعفه وعجزه إلا أنه تمكن من التغلب عليها في النهاية. ربطها بقاربه بشكل مكين، وانطلق عائداً إلى الساحل. لكن.. لسوء الحظ، واجه سانتياغو العديد من الصعوبات والتحديات في طريقه؛ إذ إن دم السمكة الكبيرة ورائحتها في البحر قد جذب إليها مجموعة من أسماك القرش كانت تلهث وراءها للانقضاض عليها وأكلها. ورغم ذلك، لم يستسلم سانتياغو لأسماك القرش هذه، فصارعها، رغم الإرهاق والألم الجسدي الشديد، وتذكر سانتياغو كيف هزم ذلك الزنجي الكبير في لعبة اليد الحديدية في حانة كازا بلانكا عندما كان شاباً، ما جعله يشعر بمزيد من القوة. حتى عادت أسماك القرش مهزومة، ولكن بعد أن تناولت كمية كبيرة من لحم السمكة الكبيرة. وصل سانتياغو أخيراً إلى الساحل. ونظر بمفرده في الظلام إلى الصيد الثمين الذي اصطاده، لكنها كانت مفاجأة. بقي هيكل السمكة فقط. فعاد إلى كوخه وسقط على سريره بعد أن كان مرهقًا للغاية.
كان طول هيكل السمكة المربوطة بالقارب ثمانية عشر قدمًا، وهي أكبر سمكة رأتها القرية على الإطلاق. تحدث مانولين معه وأخبره أنه يريد العمل معه مرة أخرى، وأن هذا الحظ السيئ سيتغير. علاوة على ذلك، أخبر مانولين سانتياغو أنه لا يزال لديه الكثير ليعلمه إياه. وفي فترة ما بعد الظهر، تفاجأ الناس بالهيكل العظمي للسمكة الضخمة وبدأوا يتحدثون عن الصياد العجوز وقوته، ومنذ ذلك الحين، ذاعت شهرة سانتياغو وأصبح مصدر فخر وإلهام للتحدي بالنسبة لأهل القرية.
وهكذا.. فإننا يجب أن نستمر في ممارسة هواياتنا والثقة في قدراتنا، وعلينا أن نكتسب الخبرة ممن هم أكبر سناً وأكثر علماً وأكثر خبرة منا. لقد علمتني حكاية سانتياغو الكثير، فقد لا ننجح في أمر أردناه، لكن المحاولة شرف لنا يجب أن نفتخر به أمام أنفسنا وأمام الآخرين.
مهما كانت الصعوبات التي تقف بينك وبين ما تريد تحقيقه، عليك المحاولة أكثر من مرة، حتى إن لم يحالفك الحظ في المرة الأولى؛ فربما تنجح في المحاولة الأخيرة، ما دام لديك دافع وأمل وهدف تريد تحقيقه. وتذكّر...الأمل وحده هو الذي يمكن أن يمنحنا دافعاً للاستمرار في مسيرتنا على طول الحياة.
* ماجستير صحافة وإعلام