طلب مني الزملاء الأعزاء في الرأي أن أتحدث في ذكرى صدورها وبالرغم أنني لا أستطيع أن أرد للرأي طلباً، والمناسبة غالية على قلبي، إلا أنني وجدت صعوبة بالغة في الحديث اليوم، أمام جلال مشهد غزة وطغيانه على كل ما عداه.
وحيث أنني، وكما كل إنسان عربي، لا نملك إلا العجز والقهر في مواجهة المحرقة الكارثية بكل آلامها وهمجيتها وجرائمها المتمادية! على الرغم من أن توهّج أرواح الشهداء يضيء ظلام هذا العالم، الذي جردته الصهيونية من كل مقومات الإنسانية والأخلاقية والقانونية.
نعود لموضوعنا، فكما أشرت، فأنا لا أملك ترف الاعتذار، لكن على ضوء مأساة غزة فإن كلامي سيكون مقتضباً حول ذكرى فجر الثاني من حزيران 1971 عندما دفعت إلينا المطبعة بالنسخ الأولى من العدد الأول من الرأي، ساعتها فاضت الدموع من عينيّ وعينيّ أستاذنا محمود زين العابدين. فقد جاء صدور العدد الأول من الرأي بعد مخاض طويل استغرق ستة أشهر وخلالها كانت هناك محاولات وتجارب متكررة وبصعوبة، فقد كان يمكن على مدى أسبوع من العمل المتواصل إنتاج عدد من الجريدة.
وكانت هنالك مسيرة الاستعانة بخبرات من الخارج، حيث ذهبت ومجموعة معي للتدرب لمدة شهرين في جريدة النهار اللبنانية إلى أن وصلنا يوم الثاني من حزيران.
وبعد الصدور كانت هنالك رعاية رسمية بكل حماس للرأي حيث كان إصدارها تحدياً لجريدة تملكها الدولة آنذاك، وكان ليوم صدورها ما بعده، فالرأي صارت جزءاً من مكونات الهوية الأردنية وكانت نقطة انطلاق جديدة لتطور الصحافة الأردنية وكان توزيعها وإيصالها للناس أكثر صعوبة.
وأذكر في الأيام الأولى أنني كنت أضطر للنزول لشوارع عمان فوراً لإقناع أصحاب بسطات الصحف الذين كانت تربطني بهم علاقة شخصية، بتقبل توزيع الرأي.
باختصار شديد جداً، كانت تلك تجربة شاقة ومضنية، وأذكر في تلك الليلة وفي ساعات قبل الصدور كنت أهيب بالزملاء من كافة الأقسام مردداً: (يا شباب بدنا نطيّر الجبل).
وهذه العبارة كنت أرددها عندما كنت على رأس المجموعة لإصدار جريدة القدس وكان ذلك في ربيع 1967، أي قبل أربع سنوات من مولد الرأي، وكذلك كنت أرددها عندما أصدرت جريدة الأخبار في خريف 1975، بعد أربع سنوات من إصدار الرأي.
لقد كان إصدار جريدة يومية في ذلك الزمان مضنياً وهو حديث يطول أتمنى أن يسمح قادم الأيام به.