يحكى ان شابا بريطانيا مجتهدا درس في كلية الحقوق وتخرج محاميا بمرتبة الشرف.. وتقدم الى المجلس القضائي بطلب لكي يكون قاضيا.
وقدم كل ما هو مطلوب منه.. وقبل ان يعمل الامتحانات اللازمة وكذلك المقابلة.. تم ابلاغه برفض طلبه.
لم بتوقع ذلك الرد وبهكذا اسلوب -اي قبل ان يتقدم للامتحان والمقابلة- وهو في دولة تعد اساس ومنبت العدالة والشفافية.
فتقدم بطلب اعتراض على القرار.. وتم قبول الاعتراض.. وتمت مقابلته.. فأعلمته اللجنة.. ان هناك هيئة مخلفين ومستشارين تدرس الطلبات قبل عرضها على اللجنة العليا.. وحين تمت دراسة طلبك.. وجدوا بأنك كنت في اوقات العطلة تساعد والدك الحلاق.. وكنت تأخذ "البقشيش" من الزبائن.. ولذلك خشيت اللجنة بان أخذك "للبقشيش" حينها قد جعل الامر مستساغا لك ومتقبلا.. ومن الممكن ان يؤثر على مسيرتك.. وبالتالي على سمعة القضاء.. ويكون مقتلا لأي قرار او حكم قد تأخذه.
لذلك قررنا ان تكون قاضيا واقفا "محامي" وليس جالسا "قاضي".. وهذا الوضع لا يتنافى مع اخذك للاتعاب او الهدايا من موكليك.. لا بل قد يكون دافعا لان تعمل بجد اكثر..
هذه القصة جعلتني اتوقف كثيرا.. وانظر كيف يمكن ان تؤثر امور نراها بسيطة في حياة ومسيرة الشخص.
وكيف للنظام الشفاف والعادل والناظر للمصلحة العليا ان يأخذ كل صغيرة وكبيرة بالحسبان حين يكون الامر متعلقا بالامور العامة والحساسة.
وحين تنظر الى ما يدور في الارجاء من فساد.. فعليك ان تعي وتؤمن بأنه لو تم الاختيار على مبدأ الافضل وصاحب السيرة الحسنة.. وكان الاختيار مبني على العدالة والوضوح والشفافية.
وإذا ما وضِعت موازين حساسة لكل مركز او وظيفة تعنى بخصوصياتها.. وتدقق في تفاصيل وسلوكيات وامكانات متسلمها.. فلن يكون هناك فساد بالشكل الذي يرقى لان يكون ظاهرة او سمة واضحة.. وإن وُجِد -وهذا امر بشَري طبيعي- فسيكون هناك من يكشفه ويمنعه مباشرة.. ويأخذ على يد الفاسدين.
وهنا سيتحول الكثيرون من خندق المنتقدين الحاقدين السلبيين لأداء الحكومات والجهات التنفيذية.. الى متغنين ايجابيين.