احاول ان أعود اليوم إلى الكتابة الصحفية، وهي مهنتي التي اعتز بها وأقدمها على غيرها.
فقد انشغلت او لعلي أشغلت (بضم الألف وتسكين الشين وكسر الغين) بانتخابات الهيئة الإدارية لرابطة الكتاب الأردنيين، وهي مؤسستنا الثقافية الأبرز والأكثر حضورا وطنيا وعربيا.
ولا يخفى على كثيرين ان الرابطة العتيدة اقرب ما تكون إلى العمل النقابي بل انها تدخل في عداد النقابات المهنية وهي عضو في مجلسها.
وانا عضو في الرابطة منذ الثمانينات وان كان عملي خارج الوطن قد أبعدني عنها سنوات طويلة؛ لكني كنت انهض بمسؤولية عضويتي ما استطعت واشارك في الانتخابات حين يتصادف موسمها اثناء وجودي على ارض الوطن.
لا اسوق هذا الكلام على سبيل الدعاية ولكني أشير إليه من باب تاكيد الاهتمام بالشأن الثقافي العام.
والرابطة، لمن لا يعرف، تأسست عام ١٩٧٤ بعد مخاض طويل كان الكتاب بخاصة والمثقفون بعامة يسعون إلى أن يؤسسوا بيتا جامعا لهم ومظلة يعملون تحتها، وقد كنت في بدايات حياتي الدراسية الجامعية في اواخر الستينات اكتب في الصحافة اليومية والأسبوعية، وكنت من بين الذين حملوا راية الدعوة إلى إنشاء اتحاد او رابطة او تجمع للادباء والكتاب في ذلك الوقت.
وانتخابات الرابطة العتيدة هذا العام كانت ساخنة وقد اعتادت ان تكون هكذا في الأكثر الأعم.
غير ان العمل العام ومنه العمل الثقافي ليس امراً عابرا ولا هو مهمة سهلة ، والتصدي له يعبر عن رغبة في الخدمة العامة وتطوير الأداء ،و محاولة ايجاد الحلول للمشكلات المتعددة .
وفي العادة تجري الانتخابات على أساس الترشيح الفردي لكن وجود قوى حزبية بين اعضاء الرابطة ، جاء نتيجة غياب العمل الحزبي العلني في فترة ما بعد هزيمة حزيران وما تلاها من غياب الاحزاب والانتخابات النيابية و لذلك لجات الأحزاب إلى العمل غير المعلن وتداخل دورها مع دور النقابات المهنية التي صارت مظلة للعمل السياسي غير المباشر .
وقد كان ذلك طبيعيا لكنه وليد ظروف محددة ما لبثت ان انتهت عام ١٩٨٩ بما سمي مرحلة استئناف الحياة الديموقراطية ، وفي هذه المرحلة افسح المجال امام تشكيل احزاب علنية بعضها كان سريا وقديما كالأحزاب اليسارية والقومية والتنظيمات ذات التوجه الديني .
وهنا وقع التداخل الذي ما نزال غير قادرين علي إزالته ، بين العمل السياسي اليومي ،وهو من مهام الاحزاب السياسية ، والعمل الثقافي والمهني الممزوج بالسياسة ، و الأحرى ان يكون عملا وطنيا وفكريا و ينأى عن الانشغال بالسياسة اليومية ، ولا نتجاهل هنا صعوبة هذا الفصل ،ولكن كثيرين صاروا يدركون اهمية التمييز بين المهام الحزبية والنقابيّة والمهنية بدون تعسف ' ولا مواربة .
ان هذا التداخل في رايي ، ليس مقبولا في وقت يبلغ فيه عدد الاحزاب السياسية اكثر من ثلاثين وتغطي سائر الاطياف .
واياً كان الأمر فإن رابطة الكتاب ما زالت تجمع بين العمل الثقافي والمهني والحزبي وهذا ما يجعل الصراع حادا في الانتخابات لأن القوائم الانتخابية تحمل في داخلها بعض التوجهات السياسية الحزبية .
ومن خلال التجربة والخطأ ظهرت داخل الرابطة تجمعات تسمى "تيارات "على خلفيات انتخابية ،وحملت اسماء متعددة في محاولة لتحديد طبيعتها ومرجعينها السياسية ،او رمزية الاسم في اذهان الناس ، فتشكلت قوائم (تيار القدس الثقافي) و (التيار الثقافي الديموقراطي) و ( التيار القومي ) وكلها تتنافس على مقاعد الهيئة الإدارية للرابطة إلى جانب بعض المستقلين الذين لم ينضموا إلى اي تيار لأسباب مختلفة .
وانا اسوق هذه المعلومات لمن لا يعرف وضع الرابطة وتشكيلاتها ،والإرهاصات السياسية والثقافية فيها .
ولقد خضت انتخابات هذه الدورة من خلال قائمة التيار القومي العربي ومنطلقاته.
وبقدر رؤيتي لواقع الرابطة ودورها والتنافس المحتدم بين التيارات الثلاثة فاني ارى ان السمة البارزة لدى جميع التيارات هي الرغبة في السيطرة على زمام الرابطة و التفرد بالقرار وإبعاد الأطراف الاخرى ، وهذا فيما ارى توجه خاطئ ويبعد الكثيرين عن الرابطة و منهم كفاءات وقدرات خلاقة ومبدعة يغيب دورها وينعكس ذلك سلبا على اداء الرابطة ويضعف عطاءها في خدمة اعضائها مهنيا .
قد تبدو هذه الكلمة غريبة لدى بعض الذين ادمنوا لعبة العمل السياسي داخل الرابطة وفي إيصال ممثليهم إلى هيئتها الإدارية، ولكني أراها ضرورية للتمييز بين الاطر السياسية ( الاحزاب ) والهيئات الثقافية والمهنية والاجتماعية العامة، بعيدا عن (التخندق )والاتهامات والتأويلات التي لا تليق ب (المثقف والكاتب والاديب )الذي يميل بطبعه وموهبته الى الانعتاق من القيود ،ويعشق حرية العمل والتعبير والإبداع .
ولعليّ اطلت في شرح هذه الفكرة لأسباب وجدتها وجيهة ،حين سألني احد الأصدقاء من النواب والعاملين في الحقل العام عن (الرابطة) وطبيعة مهمتها ودورها.
وللحديث بقية..