أي ذواتا سعة وفضل على ما سواهما، وباعث هذا التفضيل هو صبغتهما التي تميزتا بها، ويحضرني هنا قوله – تعالى- { صِبْغَةَ اللهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ صِبْغَةً} وفيه تأويلان : أحدهما معناه دين الله أي الإسلام ، والثاني هو خلقة الله. فإن كانت الصبغة هي الدين ، فإنما سُمِّيَ الدين صبغة، لظهوره على صاحبه كظهور الصِّبْغِ عَلَى الثوبِ، وإن كانت هي الخلقة فلإحداثه كإحداث اللون على الثوب. (تفسير الماوردي)
الآن، وعند التدقيق في قوانين إنشاء الجامعات الأردنية نجد أن لكل منها هدفا محددا أنشئت من اجله "صِبغة"، فعلى سبيل المثال لا الحصر تشير المادة (3) من قانون إحدى الجامعات إلى أنه تؤسس في المملكة الأردنية الهاشمية، مؤسسة وطنية رسمية للتعليم العالي ذات أهداف علمية إسلامية عالمية، كما أننا نلاحظ أن المادة (3) من قانون جامعة أخرى، تشير إلى أنه تنشأ في المملكة جامعة عالمية إسلامية، ولكل منهما استقلال مالي وإداري. وتشترك الجامعتان في الأهداف بشكل واضح، إذ تشير المادة (5) من ذات القانون إلى إلزامها بخدمة المجتمع الأردني والمجتمعات الإسلامية والمجتمع الإنساني، بالوسائل الممكنة وأهمها تأهيل الطالب في علوم الدين والدنيا تأهيلاً متوازنا وتدريبه على الإفادة من مصادر المعرفة الإسلامية، والمنهج العلمي، ليكون قادراً على إبراز الصورة الحقيقية للإسلام من حيث كونه طريقة حياة ومنهج عمل، بالإضافة إلى توفير الإطار العلمي للتقريب ما بين أتباع المذاهب الإسلامية، وتعزيز قيم الحوار مع أهل الأديان والحضارات الأخرى، حتى تكون الجامعة صرحاً للتجديد والاجتهاد، وذلك بما تتيحه من احترام لحرية التفكير والتعبير وشمول النظرة.
كما تشير المادة (4) من قانون الجامعة الثانية إلى تزويد العالم العربي والإسلامي بالمختصين القادرين في كل ما يتصل بالعقيدة والشريعة والعلوم والفكر والحضارة والفنون الإسلامية، لإبراز الصورة المشرقة للإسلام وتصحيح المفاهيم والأفكار غير السليمة عنه.
إن جامعتين بهذه الصبغة السامية، جديرتان بأن تكونا منارتين تهتدي بنورهما البشرية جمعاء، ولكن ما مدى قيام هاتين الجامعتين بأدوارهما المأمولة؟
من خلال إعادة مراجعة مواد القوانين أعلاه، يتبين أن الأهداف المشتركة لهاتين الجامعتين كان وما زال أن تكونا صرحين للتجديد والاجتهاد وحرية التفكير والتعبير وشمول النظرة، في كل ما يتصل بالعقيدة والشريعة والعلوم والفكر والحضارة، وتصحيح المفاهيم والأفكار غير السليمة.
وعليه فمن المتوقع أن يكون التركيز فيهما، على التخصصات المرتبطة بعلوم الدين والفكر والحضارة أولاً، وبشكل يفوق ما توفره الجامعات الأخرى، وأن لا تتحولا إلى صبغة غير تلك المأمولة منهما، كأن تتحولا إلى جامعات تكنولوجية مثلاً وبشكل تدريجي، تعتقدان، أنه غير ملحوظ للآخرين.
إذا لا بدّ لهاتين الجامعتين من التفاعل مع القضايا المعاصرة، بشكل اكبر وأعمق من شقيقاتها الجامعات الأردنية الأخرى التي لها أهداف مغايرة، ولو أنها تتشابه في جوانب معينة، تقع إذاَ على هاتين الجامعتين مسؤولية الانفتاح على المجتمع بكل الوسائل والأساليب المتاحة، حتى لو انغلق المجتمع عنهما إراديا أو لا إراديا، ألم يكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- } َدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا{ً، والسراج ينشر نوره ويضيء على الجميع.
أسئلة أضعها بين يدي إدارات تلك الجامعات، الغرض منها التذكير بما هو متوقع منها.
هل أوصلت هاتان الجامعتان فكرهما، ومعرفتهما "رسالتاهما" بكل ما أوتيتاه من علم، وقوة حجة، ومكانة مرموقة، وتأثير فطري، بالشكل المناسب والأمثل للمجتمع الذي تتواجدان فيه؟ فإذا كان الجواب بنعم، فما هو معدل وكذلك منوال المناظرات والمحاضرات التي عُقِدت لا في حرم الجامعتين فحسب، بل في وسائل الإعلام والنوادي الثقافية والمدرجات العامة "التي لا أزال اذكر لقاءات لأقطاب الفكر والدعوة فيها، لخيرة رجالات الوطن مع أطراف أخرى"، وحتى النوادي الرياضية، أليست هذه هي أماكن تواجد الراغبين بالمعرفة، وخاصة جيل الشباب؟
لم لا تبادر الكليات والأقسام والمراكز والمعاهد المتخصصة لديكم، بفتح الحوار المدروس مع الطلبة بداخلها، لتأهيلهم للتأثير على أقرانهم خارجها، بدل أن يحصل العكس، والعكس خطير!
خلاصة القول: صبغة هاتين الجامعتين ترتقي بهما لأن تكونا منارتين وضاءتين، وهي بمثابة تكليف وتشريف لهما معاً، إذ أنها مقرونة بأسمى القيم التي تحتاجها الإنسانية جمعاء وخاصة في أيامنا هذه، فهلا تمسكتا بهذه الصبغة؟ وأفاضتا على المجتمع ببعض ما حباهما الله به من نعمة؟
muheilan@hotmail.com