الصندوق الأسود (16) .. حكومة التحفيز
د. كفاية عبدالله
01-06-2024 04:40 PM
مع تنامي ظاهرة تضخم التوقعات والفورية التي باتت مطلبا ملحا لدى الشعوب ، إنها النتائج يريدونها "الآن" ويتوقعون الحصول عليها "في الحال" وفي انجذاب مطرد نحو تحقيق الرضا الآني والحلول السريعة ولا سيما بعد الإطلاع على تجارب الآخرين والرغبة في نسخ النتائج دون مذاكرة والتبصر في المقدمات والاستعدادات والممكنات والمجهودات ؛ فإننا نواجه حقيقة مفادها "أن الحكومة لا يمكن لها أن تقدم خدمة التوصيل خلال يوم واحد" لمعالجة المشكلات ومواجهة التحديات ، لا بد من أن يتحلى المجتمع بقدر من المسؤولية وأن يتسم أفراده بالوعي والنضج والرعاية والجلد والمرونة والإيجابية ومد يد العون إلى الحكومة لتحقيق الأهداف الوطنية، ويتجاوز فيها الجميع الأهداف الشخصية والآنية في سبيل نهضة وطن، ولا ينتظر هبوط وحي من السماء ليقدم لنا حكومة ملائكية تدعي أنها تملك عصا موسى السحرية لحل جميع المشكلات بمعزل عن شراكة المجتمع وانخراط أصحاب العلاقة أفراداً وجماعات ليكونوا جزءاً من الحل المشكلات ومواجهة الشدائد وتخطي الصعاب.
هذا ما يدعونا إلى إعادة تعريف دور الحكومات والانتقال بها ؛ من مجرد جهة مقدمة للخدمات العامة إلى جهة مُحفزة على الفعل والتغيير، ومن جهة حارسة للحدود إلى الجهة حريصة على سلامة الناس ورعايتها ، في قراءة لما تناوله كتاب"التحفيز الاستراتيجي: دور الحكومة في عصر التحديات الكبرى" والذي يشير إلى الأدوار الرئيسة للحكومات في توفير الأمن والخدمات الأساسية وتمكين الناس، ففي الدور الأول والثاني تقوم الحكومة بأعمال مركزية يتجاوز فيها مفهوم الأمن التقليدي إلى الأمن الصحي ورعاية الشعوب وحمايتها؛ ولا سيما أن الحكومات ملجأ الناس عند وقوع الأزمات، وتقديم الخدمات الأساسية مثل التعليم والصحة وتوفير البنية التحتية وشبكة الحماية الاجتماعية.
أما الدور الثالث والأخير يأتي العمل اللامركزي للحكومات من خلال تمكين الناس والمؤسسات لمواجهة التحديات، فمن واجب الحكومات إيجاد السياق المناسب يسمح فيه للأفراد والمؤسسات لتحمل قدر أكبر من المسؤولية عن حياتهم ومستقبلهم وقراراتهم في الاستثمار فيهما، لا يوجد حلولا مركزية لتفاصيل الحياة الشخصية ، ويتوقع من الناس أن تعيد تزويد أنفسها بمهارات جديدة لمواكبة متطلبات العصر ، وأن تتكيف وأن تتعلم ؛ فلا يوجد حل واحد يعالج جميع المشكلات.
وهذا يتطلب استحقاق على الحكومة القيام بدورها في تمكين الناس وتهيئة الظروف والقيام بدور المُمكن والمُسهل والمُرشد والمُوجه النشط، والاستثمار في القدرات الأساسية للدولة، والتعاون مع مجموعات متنوعة من أصحاب العلاقة دون إقصاء أو تهميش لفئة أو مجموعة معينة مهما اختلفت الانتماءات السياسية أو الأيديولوجية لها، بالإضافة إلى قيام الحكومة في استخدام مزيج من الإجراءات والتنظيم وتطوير السياسات والتنسيق والتحفيز وتوسيع قاعة الشراكات ، وتشجيع أنماط الحياة الصحيحة وتقييد فرص السلوك السيئ والمسيء أو المعوق لعجلة التقدم والازدهار.
وهذا يتطلب وجود نوع صنف خاص من القيادات الحكومية ليكونوا من الرواد ومن رجال الدولة يتحلى كل منهم بالشجاعة والعمل في نفس طويل، وتجنب الاهتمام بالنجاحات النجاحات الصغيرة على المدى القصير، والبعد عن البروباغندا (Propaganda) لتحقيق المنافع والمكاسب على المدى الطويل ، والتركيز على النتائج والمحصلات (Outcome) وليس مجرد الأرقام والمخرجات (Output) وصولا إلى تحقيق الأثر ، حتى لو القائد لم يسطع جني ثماره جهوده في المرحلة الحالية لإنجازها في زمن الحكومات المتعاقبة، في تجرد من الأنا إلى نحن والوطن، فالوطن أم للجميع والمولى أوصانا بالأمهات إحسانا.
* د. / اختصاصي تطوير سياسات الخدمات
(Kifaya2020@gmail.com)