هيبة المعلم من هيبة الدولة
فيصل تايه
01-06-2024 10:42 AM
استياء شديد في الرأي العام وبين صفوف المعلمين جراء الاعتداء على معلم من مدرسة حنين الثانوية للبنين في عمان ، بالتطاول والاساءة المتعمده ، والذي كان يقوم بواجبه المهني والاخلاقي والتربوي لتدارك حصول مشكله بين عدد من طلبة المدرسة ومجموعة أخرى من "المراهقين المتشيطنين" من خارج المدرسة حاولوا الدخول من البوابة الرئيسية عنوة مسترجلين "بقنوة" ، اذ حاول المعلم تهدئتهم وبأسلوب حضاري تربوي دون جدوى ، بل باشروا الى فعلهم "المشين" الذي لم يمس شخص المعلم فحسب ، بل مس كرامة وهيبة كل معلمي الوطن ، وما رافق ذلك من استهجان واستياء من وزارة التربية والتعليم على هذا التعدي الصارخ على أحد كوادرها .
ان هذا الفعل "المهين" يعبر عن ضمور تفكير فئة منحرفة تناست الجهود الكبيرة التي يقوم بها المعلمون في المجتمع باعتبارهم اصحاب رسالة مقدسة تحتم ان يحظوا بالاحترام والتقدير والتبجيل ، فالدولة والمجتمع بكل مؤسساته مطالبون اليوم بضرورة التصدي لهؤلاء "المستهترين" ومن هم على شاكلتهم ، ونبذ هذه الظاهرة غير الاخلاقية ومحاربتها والتصدي لها ، وادانة مثل هذه التصرفات غير المسؤولة والمرفوضة بحق مربي الاجيال ، لأن إسقاط “قيمة المعلم” هو إسقاط لكل القيم ، وإسقاط “هيبة المعلم” هو إسقاط لهيبة الأب وهيبة المسؤول ، وهيبة السلطة وهيبة الدولة ، وإن إسقاط "صورة المعلم" وتراجع مكانته وتقهقر مهمته التربوية، يحصد المجتمع بكامله نتائجَه الوخيمة، وانتشار الظواهر السلبية وتفاقم العنف والكراهية، وذلك ما نشهده اليوم من بوادر انجراف اخلاقي بين جحافل المراهقين على نطاق واسع.
اننا نعلم ان وزارة التربية والتعليم تنتهج اجراءات "مغلظة" بحق كل من تسول له نفسه التطاول على شخص المعلم ، فقد سبق واصدرت تعليمات واجراءات مشددة بالتعاون مع الجهات المعنية من شانها صون حق المعلم وحفظ هيبته وكرامته ، لكن ما حدث على بوابة "مدرسة حنين" يقودنا الى التساؤل عن الأسباب التي أدت إلى غياب "احترام" المعلم ، وكيف يمكن ان يشعر المعلمون بأهميتهم وبوجودهم وبثقتهم بأنفسهم وثقة المجتمع بهم ، لكن وبعد كل هذه التجاوزات التي تحدث بحق المعلم ، كيف يمكن إعادة "هيبته" بعد ان مسها "الضُرّ" خاصة في السنوات القليلة الماضية ، والتي تحتاج الى معالجات تتخذها السلطات المعنية اكثر شدة وصرامة ، مع ضرورة اعادة النظر بالأنظمة والقوانين والتعليمات المتعلقة بذلك ، اضافة لتطبيق برنامج ارشادية طويلة المدى ، تعمل على تنوير الرأي العام بأهمية هذا "المربي" وقداسة رسالته ، بعيدا عن كونه موظفا حكوميا ، بل يجب ان يفهم هذا "الجيل" ان المعلم لم يمتهن التعليم الا لانه آمن بهذه المهنة كرسالة ، لها دورها المهم في تنشئة اجيال متسلحة بالعلم والايمان والاخلاق الكريمة .
يجب ان نعي تماما ان المعلمين اليوم يواجهون اوقاتاً صعبة ، ويتحملون مالا يطيقه أحد ، ذلك بحصاد تراكمات المجتمع وسلبياته ، فاليوم نمُرّ بمرحلة "انفلات" لجيل يعتاش على "التمرد" ، فعلى من تُلقى مسؤولية إنهيار هذا الجيل ؟ ومن هو المسؤول عن سلوكياته ، وهل المعلم وحده المسؤول عن هذا التناقض الذي نراه في مواجهه سلبيات المجتمع ، وهو الوحيد المطالب اليوم باصلاح انعكاسات ذلك ، فاين هي مؤسسات المجتمع المدني المعنية بذلك ، وكيف تلقى المسؤولية على كاهل المعلم وحده ، وكيف لنا ان نعيد "مجده التليد" الذي غاب ، وفي "وعينا" ان التعليم رسالة تربوية وليست رسالة عنف وتعنيف .
كما ووجب القول : اين دور "مؤسسة الأسرة" والأهل ؟ اذا كان الطالب لا يجد لغة التفاهم بين افراد الاسرة الواحدة في ظل ظروف اجتماعية والاقتصادية عصيبة ، ولا يعلم ما هي لغة الحوار في اسرة لا تتفاهم الا بالصوت العالي والعنف ولغة النزاع وبسط السيطرة بصورة واضحة ، فيما انعكس ذلك علي حالة المجتمع بأسره وهذا جعل الامر أكثر تعقيدا بالنسبة للمعلم داخل غرفة الصف ، لذلك فنحن بحاجة الى تعاون الجميع ضمن برامج ارشادية قوية موجهه .
واخيرا ، فالموضوع يحتاج من "الجهات المعنية" وضع الحلول التي من شأنها ضبط ايقاع هذا الجيل واستعادة هيبة المعلم ، فإن سقطت هيبة المعلم سقطت هيبة التعليم ، وهذه المشكلة يجب أن يتحمل مسؤوليتها الجميع ، في اعانة المعلم على آداء مهمته الاخلاقية والمهنية والتربوية على أكمل وجه ، ويبقى دور الارشاد التربوي "الغائب الحاضر" فمتى نرى مدارسنا محاضن تنشئ اجنة مفعمة بالعلم والايمان والاخلاق الكريمة .
والله ولي التوفيق