الأردن الذي انتزعه الهاشميون من فكي الصهاينة وعميلهم بلفور ليصبح إمارة عربية هاشمية ظل استقلاله حلم أبنائه وهدفهم الاغلى إلى أن تحقق له ذلك بإلغاء المعاهدة البريطانية عام 1946 وليصبح المملكة الأردنية الهاشمية التي نتفيأ ظلالها بأمن وطمأنينة ونفتخر بالعديد من منجزاتها.
من ذلك التاريخ ما تزال مناسبة الاستقلال عيد الوطن الأعز يضرب الأردنيون موعداً سنوياً معه في الخامس والعشرين من أيار منذ 77 عاماً، وهم مستمرون في ذلك إلى أن يرث الله الأرض وما عليها فجمعوا معها ومن حولها أجمل اعيادهم الثورة العربية الكبرى، وعيد الجيش، لتبلغ ذروتها هذا العام 2024 بحلول اليوبيل الفضي لتولي القائد عبدالله ابن الحسين سلطاته الدستورية.
كانت التحديات الرفيق الدائم لمسيرة الأردن لم تغب عنه قبل الاستقلال أو بعده، لكنه عبرها بجهد وطني مميز للملوك الهاشميين الذين طالما اتصفت قيادتهم على الدوام بامتلاك الرؤية الاستشرافية والحكمة والإداء السياسي الرفيع.
تحديات كثيرة وكبيرة حولها الأردنيون إلى فرص اسفرت عن إنجازات وطنية بإسهام مخلص من قيادة ناجحة وحريصة آمنت برسالتها وتمكنت من إرساء نهج واعٍ معتدل ومتسامح وإداء سياسي حصيف منفتح على العالم أعطاءها حضوراً دولياً محترماً وتميزاً نسبياً معتبراً بين العديد من الدول في الاستقرار والأمن والإداء التنموي.
روح الاستقلال وهمة الشعب ورجاحة القيادة هي ما تقف اليوم في مواجهة تحديات المئوية الثانية للأردن وتحديات الظرف الراهن محلياً واقليمياً ودولياً. وقد جاءت الأوراق النقاشية لجلالة الملك لترسم لنا الطريق، وتبعتها حركة التحديث بأبعادها السياسية والاقتصادية والإدارية التي هي الآن بين أيدينا تنتظر التنفيذ العملي المدروس والصادق تجسيداً لإدارة الأردنيين وتوقهم لمستقبل أفضل.
اعتاد الأردن على مواجهة الظروف الاستثنائية كالتي يمر بها حالياً وأحسن التعامل معها وتجاوزها، وهو اليوم يضع الإصلاح والتحديث على رأس أجندة أهدافه مسابقاً بها الزمن بادراك عميق أن بناء مستقبل ناهض يحتاج لحكومات برلمانية، ومجالس نيابية أقرب تمثيلاً للمجتمع المتعطش للمشاركة الحقيقية والفاعلة في بناء بلده، والطامح لسيادة القانون وعدالته تعزيزاً للوحدة الوطنية والسلم الاجتماعي، وتكريساً للمواطنة، وتسريعاً للخروج من التحديات الداخلية بنجاح يمنح الوطن منعة أقوى وحضوراً أكثر قوة عل الصعيدين الإقليمي والدولي.
في عيد الاستقلال محاطاً بكوكبة من أعياده يرنو الأردن إلى عيد استقلال فلسطين الشقيقة من احتلال وتسلط قوى الاجرام الصهيوني. فلطالما بقيت فلسطين شعباً وقضية تملا ذاكرة الأردن وضمير قيادته وشعبه. وهي اليوم تمر في مرحلة حاسمة من مراحل نضالها وصمود وثبات شعبها الأسطوري تمثله غزة عاصمة المقاومة الابهي وابطال مقاومتها البواسل. فغزة اليوم تتيح للأردن من جديد شعباً وقيادة أن يتقدما بما عهدته فيهما من فروسية ومواقف سباقة على ما عداها نصرة سياسية ودبلوماسية وإعلامية وعوناً اغاثياً لا ينقطع.