مشهد التكفيريين، يشهرون سيوفهم، ويروّعون الناس، بشعارات وهتافات تهدّد بنسف التعدّديّة والعمليّة الديموقراطيّة من أساسها، لم يكن غريباً، أو مفاجئاً أبداً. وإنما هو صورة عن نماذج معروفة تنتمي لذات الفكر، تنقلها الفضائيّات ووكالات الأنباء، ويتحدّث عنها بقلق وخوف كلّ من شاهدهاوجاهيّاً في أكثر من ساحة أو ميدان.
بيد أن المفاجئ والمؤسف في حواشي المشهد، وهوامشه، هو صمت القوى السياسيّة المشروعة عليه، وسكونها إلى الحياد. بل وفي حالات محدّدة؛ بالتبرير لهذا السلوك الظلاميّ، والتنصّل من الواجب الوطنيّ، الديموقراطيّ المدني، بإدانته وكشفه على حقيقته، وبوصفه محاولة مسلحة لاختطاف الإصلاح السياسيّ، وجزّ عنقه، بحدّ السيف وتحت شعارات التكفير الأعمى، الذي يبدأبالقوى السياسيّة المتنوّعة نفسها، ولا يستثني منها أحداً.
التيار التكفيريّ، خرج بالأمس، من تحت الرماد، منتهزاً أجواء التفاعلات السياسيّة والتعبيرات المدنيّةومطالب الإصلاح الشامل. وكان التيار نفسه، قد اختفى خلال السنوات الخمس الماضية، تحت وطأة أخطائه وخطاياه باستهداف المدنيين وإثارة الفتن الطائفيّة والمذهبيّة واستعداء المجتمعات بحجة أنها «جاهليّة»، و»كافرة»، وتحت عناوين «المفاصلة»، و»الولاء والبراء».. وما زالت تفجيرات عمّان الإرهابيّة شاهداً ماثلاً، لم تغب صور ضحاياه؛ فكانت هبّة الأردنيين جميعاً، في التفافهم حول السلم الأهلي وأمنهم الوطنيّ، ردّاً شجاعاً وبهيّاً؛ لا على الإرهاب فحسب، بل وعلى التضليل وخلط الأوراق والتعمية، والإساءة لصورة الدين الحنيف.. فهل ننسى الآن، كلّ هذه الدروس! وهل يصلّ الحدّ بفلسفة المناكفة إلى تبرير الإرهاب الفكريّ والترويع، واستهداف هيبة الدولة وصورتها؛ أو حتى بالسكوت عنه!
الدولة، يقيناً، قادرة، ومتأهبة للدفاع عن قِيَمها ورسالتها؛ وهي أقدر اليوم على مجابهة التكفيريين وعزلهم. وقد تمكّنت من ذلك، يوم كان التكفيريّون في أوج تعبئتهم ودعايتهم. والدولة، هنا، ليست الحكومة وأجهزتها ومكوّناتها الرسميّة فحسب، وإنما هي كلّ هيئات ومنظومات وفعاليّات المجتمع والناس.. وهي مع هذا وذاك؛ سلطة الشرعيّة والقانون والرسالة؛ وهي الداعمة والحامية لمسيرة الإصلاح وتفاعلاتها، والقادرة على صون المكتسبات، وإبراز وجه الإسلام الحضاريّ المعتدل.
..الإصلاح الشامل، الآن، وهو خيار نهائيّ، لنا جميعاً، بحاجة لمدافعين إصلاحيين حقيقيين، يقفون في وجه السيوف والأدوات الحادّة والعصيّ الغليظة؛ لا بأجسادهم ولا بأرواحهم، فهذا، حتى اللحظة، واجب رجال الأمن وحُماته؛ولكن بالتفافهم حول الدولة وحول السّلم الأهليّ، وبدعم وتعزيز كلّ جهد قانونيّ وإعلاميّ يجابه التكفير والغلوّ.. وآخر ما كنا ننتظره هو الحياد السلبيّ، فضلاً عن المناكفة، في هذا المفصل المهمّ في مسيرة الإصلاح، والذي يريده الظلاميّون إصلاحاً على طريقة طالبان والقاعدة، وبحدّ السيف وجزّ الرقاب!
abdromman@yahoo.com
الرأي