فيروز وشوارع السلط .. وادي الاكراد وشارع الحمام
أمل محي الدين الكردي
29-05-2024 09:21 PM
لطالما اعتاد عشاق صوت فيروز في جميع انحاء العالم أن يصدح الصباح ،بصوت فيروز،الذي يتغلغل بملامسة القلوب.
هذا الصوت الذي حمل هويتها ليلف العالم ،ويلامس قلوب العاشقين ،ويحمل كل معاني الحنين للوطن عندما تتعلق الكلمات به.
صوت فيروز هو المنبع الذي يثير الذكريات والصوت الذي يحرك ورق الاشجار الجافة في الشتاء،ورائحة القهوة .وتأتي الكلمات لتبدع عن الحياة والموت ،الحب ،الانتظار.وتخطى صوت فيروز للعشق وغنت لعمان ،مصر ،بغداد ،مكة .حتى اصبحت ملكة الصباح لكل صباح وقيثارة السماء ،سفيرة العرب ،ياسمينة الشام ،جارة القمر ،سفيرة النجوم ،صوت الملائكة.
لا أعرف ما الذي دعاني اليوم أن اكتب عن فيروز وليس صوتها واغانيها بشيء جديد ،ولكن لوحة المكان وانت تجلس بمكان مطل يحمل التاريخ من الانسان والحجر والذكريات .يثير فينا الصوت ليحرك فينا كلمات تصنع المكان بمشاعرنا .
فيروز لها قدسية خاصة وتحظى بمكانة خاصة عند الاردنيين ،فشكلت حالة خاصة في قلوبهم فصبغت صباحاتهم ومساءتهم بالوان مختلفة من أغانيها.
والذي دعاني أن اكتب اليوم عنها عندما وجدت قلبي يدغدغني وانا أتجول بشوارع السلط القديمة والتي ليست بغريبة عني ولكن هذه المرة لا أعرف لماذا كانت تحمل بين طياتها احساس غريب ،وانا اتجول بوادي الاكراد الذي لا زال يحمل نفس الاسم التاريخي وانظر الى البيت الذي رأيت به نور الحياة ،فوقفت عنده وتأملته كثيراً ولكن بهذه اللحظة وكأنني أشاهد فيلم سينمائي ماذا حمل هذا الفيلم من حياة وذكريات وبعدها ذهبت الى سوق الحمام لأزور المكان الذي تملكه عائلتي الى اليوم ولا زال . وكيف كنا نتذوق الحلويات به ،وكان والد والدي رحمه الله يعشق أن يطعمنا أياها بيديه وكان يجلس بين اصدقائه ،وتتحرك القدمين لأذهب الى مكان اسمه راس العين قديماً كان هناك محل لوالدي وكنت دائماً اذهب اليه ،وبعدها ذهبت وجلست على المطل وهي جلسة مساحتها كبيرة او كما نسميها نحن (البرندة ) للبيت الذي يطل على وسط السلط وهو بيت جدي الذي لا زال الى اليوم وكان لنا به ذكريات الطفولة وتشاهد منه لوحة فنية رائعة من الكنائس والجامع والاسواق القديمة والمدرسة التي كنت ادرس بها وحملت هذه الصور الكثير والكثير وكأنني لاول مرة ارى وأستمتع بهذا المكان ،حتى للحظة أخذت الافكار السيئة تراودني بأنني سأودع هذا المكان قريباً ،وانتهت الافكار على الصوت الذي دعاني الى هذه الكلمات والذي كان يحمل صوت فيروز عندما غنت بشتاقلك لا بقدر شوفك ولا بقدر احكيك ،بندهلك خلف الطرقات وخلف الشبابيك .هذه الحروف التي تنبض بالحياة ،وكأنها كأئنات تذكرنا بالذي مضى حتى تجعل في كل شيء من حولنا نوع من اليقظة نوع نادر ،كيف يمكن لهذه الكلمات أن تجعلنا هكذا لا أدري.!!؟
وتبقى الذاكرة هي الونيس للمكان والذكريات والزمان سواء للأحبة او الاقارب او العائلة او الاصدقاء بالنهاية الكلمات تحمل بين طياتها ما يلامس قلوبنا من الحب والآلم.
ولعل هذه الأغنية قلبت من دواخلي الكثير من المشاعر عندما سمعتها وكان أبني (محمد) يشغلها من هاتفه وينظر لي ويقول (ماما اغلق الهاتف شكلك حزينة )فقلت له لا تغلقه لأننا بحاجة دائماً الى كلمات حزينة وسعيدة لترد لنا مشاعرنا وتعادلها .
وتبقى فيروز الصوت الشجي والكلمة التي تحرك كياننا ما بين الحين والاخر والكلمات تسير بنا بأشتياق الى سماعها لأننا لن نقدر ان نمحي من الذاكرة رؤية الشيء الذي نحبه ونحب ان نستمع اليه أو الاماكن التي تجمعنا .