إيجابيات رفع تصنيف الائتمان للأردن
د. رامي كمال النسور
29-05-2024 01:20 PM
في تطور جدير بالملاحظة، قامت الأسبوع الماضي وكالة «موديز» للتصنيف الائتماني برفع التصنيف الائتماني للأردن بالعملتين المحلية والأجنبية منB1 إلى Ba3 مع نظرة مستقبلية مستقرة، وهذا أول رفع من نوعه منذ21 عاماً. وتمثل هذه الترقية علامة فارقة مهمة للمملكة، ما يعكس تحسن أساسياتها الاقتصادية، وإدارتها المالية، وآفاق النمو المستقبلي. إن فهم الآثار المترتبة على هذا التغيير في التصنيف يوفر نظرة ثاقبة للمسار الاقتصادي للأردن وتأثيره في المستثمرين وصنّاع السياسات والاقتصاد الأوسع.
بداية تعمل التصنيفات الائتمانية من قبل وكالات مثل وكالة «موديز» على تقييم الجدارة الائتمانية للدول والشركات والأدوات المالية ذات السيادة. ويندرج تصنيف «Ba3» على مقياس «موديز»، ضمن فئة «غير استثمارية» أو فئة «المضاربة». ومع ذلك، فهو تحسن عن درجات المضاربة المنخفضة ويشير إلى أنه على الرغم من وجود بعض المخاطر، تظهر البلاد علامات على صحة اقتصادية ومالية أقوى.
ويستند قرار «موديز» برفع التصنيف الائتماني للأردن إلى«Ba3»إلى عدة عوامل رئيسية فمن جهة هناك آفاق الاستقرار الاقتصادي والنمو حيث أظهر الأردن مرونة في مواجهة التحديات الاقتصادية، بما في ذلك تلك التي تفاقمت بسبب عدم الاستقرار الإقليمي وجائحة «كوفيد-19» وأظهر نمو الناتج المحلي الإجمالي للبلاد علامات الانتعاش، مدعوماً بالإصلاحات الهيكلية والمبادرات الحكومية الرامية إلى تحفيز الاقتصاد.
ومن جهة أخرى هناك الإصلاحات المالية والإدارة حيث نفذت الحكومة الأردنية إصلاحات مالية كبيرة لخفض عجز الموازنة والدين العام. وقد ساهمت تدابير مثل الإصلاحات الضريبية، وخفض الدعم، وتحسين إدارة الإنفاق العام في تحسين الانضباط المالي والاستدامة.
أما السياسة النقدية واستقرار القطاع المالي فقد ساعدت السياسة النقدية الحكيمة التي ينتهجها البنك المركزي الأردني في الحفاظ على استقرار الأسعار وتعزيز ثقة المستثمرين. إضافة إلى ذلك، فإن استقرار القطاع المالي، الذي يتميز بنظام مصرفي ذي رأس مال جيد، قد دعم بشكل أكبر مرونة البلاد الاقتصادية.
كما أن هناك نقطة مهمة وهي الدعم والاستثمار الدولي، حيث يواصل الأردن تلقي الدعم الكبير من الجهات المانحة الدولية والمؤسسات المالية، بما في ذلك صندوق النقد الدولي والبنك الدولي. وقد قدمت هذه المؤسسات المساعدة المالية والمشورة في مجال السياسات، ما ساعد الأردن على تنفيذ الإصلاحات اللازمة والحفاظ على استقرار الاقتصاد الكلي.
والآن ما هي الآثار المترتبة على ترقية التصنيف، وهنا أود أن أوضح أن الشعور بآثار هذه الترقية على المستوى الفردي تحتاج إلى سنوات طويلة، كما أنها تتطلب أن يكون هناك برامج كاملة تتناغم في تعظيم الاستفادة من هذه الترقية فمن جهة يؤدي تحسين التصنيف الائتماني عادة إلى انخفاض تكاليف الاقتراض بالنسبة للبلد. ومع تصنيف «Ba3» قد يستفيد الأردن من شروط أكثر مؤاتاة عند إصدار الديون السيادية، وبالتالي تقليل كلفة خدمة الديون الحالية وتمويل المشاريع الجديدة.
كما تؤدي الترقية إلى زيادة ثقة المستثمرين، حيث يشير التصنيف الائتماني المرتفع للمستثمرين إلى أن الأردن وجهة استثمارية أكثر استقراراً وموثوقية. وهذا يمكن أن يجذب الاستثمار الأجنبي المباشر واستثمارات المحافظ، ما يسهم في دعم سوق الأسهم ورفع النمو الاقتصادي وخلق فرص العمل.
وتعمل هذه الترقية أيضاً على تعزيز الوصول إلى أسواق رأس المال وقد تمكن هذه الترقية الأردن من الوصول إلى أسواق رأس المال الدولية بسهولة أكبر وبشروط أفضل. ويمكن أن يوفر ذلك للحكومة والقطاع الخاص رأس المال اللازم، لتمويل مشاريع البنية التحتية وتوسعات الأعمال والمبادرات التنموية الأخرى.
كما تعمل على تعزيز مصداقية السياسة الاقتصادية ويعترف تصنيف وكالة «موديز» بفعالية السياسات والإصلاحات الاقتصادية في الأردن. ومن الممكن أن يؤدي هذا إلى تعزيز الثقة المحلية والدولية في قدرة الحكومة على إدارة التحديات الاقتصادية وتحقيق التنمية المستدامة.
ويتوافق تحسين الجدارة الائتمانية مع رؤية الأردن 2025 وخطط التنمية الاستراتيجية الأخرى التي تهدف إلى تعزيز التنويع الاقتصادي، والحد من البطالة، وتحسين مستويات المعيشة. يمكن أن تكون ترقية التصنيف حافزاً لتحقيق هذه الأهداف طويلة المدى.
في الختام يعتبر رفع وكالة موديز للتصنيف الائتماني للأردن إلى «Ba3» مع نظرة مستقبلية مستقرة تطوراً إيجابياً يعكس الجهود المستمرة التي تبذلها المملكة، لتعزيز أسسها الاقتصادية والمالية. وفي حين لا تزال هناك تحديات، لا سيما في معالجة ارتفاع معدلات البطالة والمخاطر الجيوسياسية الإقليمية، فإن تحسن التصنيف يوفر منصة لمزيد من التقدم. وبالنسبة للمستثمرين وصنّاع السياسات والجمهور الأردني، فإن هذه الترقية هي شهادة على مرونة وإمكانات اقتصاد المملكة، ما يشير إلى مستقبل أكثر استقراراً وازدهاراً.
الخليج