غزة والفاشر السودانية في مواجهة لعنة النزوح والتهجير
د. آمال جبور
26-05-2024 03:52 PM
بما إننا في المنطقة العربية اعتدنا غالبا على معالج قضايانا المتعددة بالوهم والخرافات، فلا ضير هنا ان نستعين بقارئ فنجان ليخبرنا عن اي كوكب ستقذفنا التبعيات الاستعمارية القديمة منها والحديثة بعد ان انهكتنا سياسيا واجتماعيا واقتصاديا، وقطعتنا جغرافيا، ومزقتنا مذهبيا وعقائديا، واجبرتنا على هجرات طوعية وقصرية على مدى تاريخنا وامتدادنا الجغرافي، من فلسطين ولبنان وسوريا والعراق؟ لتصارع غزة والفاشر السودانية اليوم نيران الابادة الجماعية والعنصرية من قتل وتدمير، لنزوح جديد وتهجير قادم، وان اختلف العدو، إلا أن من يَخُط السياسات هو نفسه هنا وهناك.
هذه السياسات المهيمنة على اختلاف اطرافها ومصالحها،أنتجت واقعا عربيا مبعثرا ومهزوما، لا صلاحية له في عالم موازين القوى الحديثة، واصبح حمولة زائدة داخل جغرافيته التي تعمل السياسات ولا تزال على تفتيتها وتقسيمها، وتسعى الى قذفنا في البحار والصحارى، ولو كان هناك كوكب لرمي النفايات لما ترددت ابدا.
وبالنتيجة لا نستغرب ما يُطرح في الساحة السياسية والاعلامية من تصريحات توحي وهماً بانهاء مشكلة اوأزمة في منطقتنا، وهي بعيدة كل البعد عن تقديم اي حلول، بقدر ما تؤكد – الحالة العربية - فقر شعوبها وانظمتها وسياسيها ومفكريها ومثقفيها وعلمائها ونخبها - هذا ان وجد منهم احد - في الدفاع عن ما تبقى لها من ماء وجه تقابل به جيلا وليدا، اثبت اخيرا مع بداية الحرب على غزة، صحوة سياسية مبكرة برفضه لتبعيات غربية مغلفة، حرفت بوصلته تجاه قضاياه المصيرية والحقوقية العربية منها والانسانية.
منذ بدء الصراع العربي – الاسرئيلي وما ترافق معه من اتفاقيات استعمارية، ونحن نقف أمام شبح النزوح والتهجير جراء تصريحات وقرارت سياسية استعمارية تؤكد في كل ازمة سياسية او تحولات اقليمية ما تصبو له الخطط الاستعمارية الغربية والامريكية من تهجير شعوبنا العربية من والى دول الجوار.
ومن احدث تجالياتها الحرب على غزة وما تبوح به معلومات عن وثيقة سرية للمخابرات الاسرائيلية تتضمن خطة لنقل سكان قطاع غزة الى سيناء بعد انتهاء الحرب.
هذه الوثيقة وما جاء بها تتوافق مع دعم واضح من الولايات المتحدة الامريكية وبريطانيا والمانيا ودول غربية اخرى في المستويات العسكرية والسياسية والاعلامية كافة، للمضي بهذا المخطط، و الملفت في الاونة الاخيرة المشروع الامريكي المقترح في إقامة ميناءعائم مؤقت على شاطئ غزة، ليكون ممرا مائيا لدخول المساعدات الى القطاع، بدعم اسرائيلي لهذه الفكرة التي يُعد جوهرها اسرائيليا بامتياز.
هذا المشروع الذي يلتوي عن حقيقة اقامته، فقد أعلنت العسكرية الامريكية عن اكتماله قبل ايام، وبالرغم من تحولات الراي العالمي لصالح القضية الفلسطسنية، ومناهضة آلة الحرب الاسرائيلية وهمجيتها غير الانسانية باتجاه اهل القطاع ، الا ان الحكومة الإسرائيلية لم تحد منذ بداية الحرب على غزة والى كتابة هذه السطور عن تصريحات تهدف لمخططات نزوح وتهجير لاهالي القطاع والضفة الغربية الى دول الجوار، ومماطلتها الواضحة ايضا لمفاوضات الهدنة مع حركة المقاومة "حماس" رامية بعرض الحائط حالة الفوضى والخلاف المتصاعدة في الداخل الاسرائيلي على المستوى الرسمي من جهة والمعارضة والشارع من جهة اخرى.
هذه المقدمات وما يتبعها من سلسلة تصريحات، تثير لدي اي عقل تساؤلا عن الغاية الحقيقية من انشاء هذا الميناء الذي تروج له التصريحات الامريكية على انه مشروع مساعدات انسانية لشعب غزة الذي ما زال يصارع الجوع والقتل والتدمير منذ اكثر من نصف عام، ولم تحاول امريكا بثقلها على اسرائيل والعالم اجمع فتح المعابر البرية منذ بداية الحرب لتحقيق ادنى مستويات الانسانية امام شعب اغلقت عليه المنافذ، فلجأ الى الله بالالاف يبحث عن الراحة الابدية.
فهل ضاقت عليهم السبل ولم يبق سوى البحر لاقامة هذا المشروع ؟! فما الغاية من فتح معبر مائي بوجود معابر برية أخرى؟
يبدو أنه لا حلول سياسية لازمات الشعوب العربية سوى البحر وامواجه المتلاطمة، فمن غزة الى لبنان، وما تناولته الصحافة العربية والدولية حول تصريحات سياسية جديدة من الجانب اللبناني لانهاء مشكلة اللاجئين السوريين منذ اندلاع الازمة السورية 2011 والتي اثقلت الدولة اللبنانية فوق ثقلها الاقتصادي وازمتها السياسية الداخلية والتراجع الحاد في قيمة عملتها وازمة البنوك، و البطالة التي تتضاعف بصفوف الشباب اللبناني، فيبدو ان التصريحات اللبنانية الرسمية اخيرا تحاول البحث عن تنفيس لبعض مما تواجهه في سياق الحل الجذري لمشكلة النزوح السوري، حيث تحدث الاعلام اللبناني على اجماع اللبنانيين على ترحيل اللاجئين"، فيما زعيم "حزب الله" السيد حسن نصرالله يقترح "فتح البحر الى اوروبا امام السوريين لحل ازمة النازحين في لبنان".
أما السودان وما يحدث بمدنها والفاشر عنوانها العريض، هذه المدينة تعاني بصمت اعلامي الا ما ندر بالرغم من اهميتها كمدينة تاريخية للقوات المسلحة السودانية ومركزا تجاريا مع دول الجوار، ويسكنها 1.5 مليون نسمة، نزح منهم 800.000 بسبب الصراع الدائر منذ عدة سنين ، فاصبحت مشكلة الفاشر والمدن السودانية مركبة ومضاعفة، تتعلق باطراف النزاع والتناحر بين ابناء الارض الواحدة لاسباب سياسية وايدولوجية ومصالح متشابكة داخلية وخارجية تثير الخلافات التاريخية في المنطقة بما يحقق انقسامات اكثر في السودان من جهة، وبما تستطيع بعض الاطراف السطو والهيمنة من جهة اخرى، الا ان الخاسر من هذه السيناريوهات هو الشعب السوداني الذي يدفع كل يوم ثمنا باهظا من القتل والجوع والدمار والنزوح، فقد فاقت اعداد الموتى والنزوح في الفاشر وبعض المدن السودانية اي ازمة في المنطقة، ولكنها السياسات التي تحرك الاعلام هنا وهناك، فلا نصيب للفاشر واهله من الاعلام الموجه لهذه البقعة او تلك، فاعلام العالم موجه لاولوياته فقط وفي حفظ مصالحه وتكسير من يقف امام اجنداته الاستعمارية المهيمنة.