وتظل شامخاً يا أيها الأردن تطل من قلوب أبنائك خير بلد ، وتسكن في حدقات العيون السمر شارعاً ، وحارة ، بقراك الصغيرة ، والمدن .
وتغتسل بالأدمع الحرى ، وتخرج ابيضاً كالضحكة على شفاه الأطفال ، واحتفالاً في الروح يجيء في كل موعد.
ها أنا أراك تأتي بسمة من قلوب صغيرة ، أودعت حنينها على الطرقات ، وما تزال تمضي ، فهي أغنية للتراب الأغلى من الذهب، وللقائد الهاشمي الذي خفض جناحه لشعبه الطيب، وتجلى بالسماحة فوق الرضى، وفرش لاهله القلب والدرب، وصنعوا حكاية الأردن الحديث..
فدم شامخاً يا وطناً لم يغادرك الشهداء ، ويا أرضا اختلطت بالأنفس الطيبة ، وبالناس الطيبين ، ويا مدناً كالحلم تغفو ، وتستيقظ عذبة طيبة ، ماءً، وسماءً ، وحبات رمال، والليل المؤنس على أوتار ربابة جنوبية .
وأنت يا عمان كأنك مراجيع ليلة أسهرتها رؤى الأماكن القديمة ، بيضاء من نسج الخيال ، كأنك حلم مطل على الروح لم يكد ينفض من ذاكرة الأيام ، ووجهك الوضاء تباشير فرح ، ومفاتيح أمل ، وأمنية تحط في أرواح العاشقين على وقع الحنين.
وهدأة ليلك مصابيح تضيء الصباحات ، وجذوة الحنين في الحارات ، وأحلام الزمن الجميل ، فعمان باحة لا يفارقها الفرح ، وأغنية تجيء في الروح مع كل موعد ، بيضاء تشرق من وجوه الطيبين .
والوجوه الجميلة العابرة في طيفك البلوري لوحة من نقاء ، وإباء ، وصفاء، يكللها الحنين ، والمارين بين أجفانك يغذون الخطى نحو مستقبل يستلقي على ضفاف الروح ، والأماكن التي تحدث عن قصص تفيض بالشوق، وأول الحب ، وترويدة الحياة.
عمان يا نكهة المساءات يا طاهرة ، يا قمر الليلة العربية ، يا عروس الشرق ، وحلم الشاعر ، يا روعة الأيام ، وعبير الصباحات ، يا الليلة الساهرة .
يا زاهرة... إن أحبابك أنجم فجر يقفون على أعتاب قلبك ما دمت آسرة، وضل الهدى من لم يتنسم باطيابك، واغتسل بمآقيك الساحرة.
حلوة المبسم طابت لياليك ، وطاب الهوى فيك ، فالمحبون الطيبون حنينهم لم يقطع الطرقات ، أولئك الذين اجروا في قلبك دماء الحياة ، ولاقوا حتوفهم فرحين ، وكانت حياتهم، وكان مماتهم لأجل طهر الثرى ، والبطل الذي ما انثنى .
لمن غابوا من مشهد الوطن الرائع ، وظلوا تزفهم زغاريد الامهات إلى الفرح الأخير ، فإن عمان مثوى الشهداء .
إن الذين رحلوا من اجل عينيك أحياء عند ربهم يرزقون ، والمحبون الأبديون لا يغادرون الذاكرة ، ومضوا مصابيح الدجى، كليلة أقمار، وأنوار، وتظاهرة عشق على شرف الارض.
كانوا يسهرون في جفن الردى، والناس نيام، ويلامسون وجه الوطن بحنو وخشوع ، وعند حبك أوقفوا مشوار العمر ، شاهدين على النهضة، وأرواحهم تطوف حول حلم لم ينقض عهده.
وعمان تحميها المآقي ، وتسورها القلوب ، والى قلبها كل الدروب تقود.
والأردني لا يتوقف عن عشق التراب ، ويبدل روحه بلحظة عز ، فهو المؤمن بالله الذي يتجلى بالكرامة ، ويكون أول من يهدي للموت نفساً على اثر موقف .
فلا نكث وعداً ، وما صغر قامته ، وما تنكر، وما انحنى ، وما أعطى الواجب ظهره ، وظل يقف في الصف الأول من أمته ، ويعطي من قلبه الكبير، ويعيش على أعصابه إن مس الشر عربيا في أي موقع.
مهيوباً أردنيا لم يبخل بالحب، والدم معاً ، وظل يمد روحه في كل الشوارع العربية ، فدم شامخا لا تبدلك الأنواء يا وطني ، وارفع قامة أردنية تعلو فوق الجراح ، فلا صغرت لهم هامة ، وما انحنت قامة اردنية تحمل الشعار، وما ذلوا وما وهنوا ، ولاقوا قسوة الأيام ضاحكين.