في ذكرى الاستقلال من عبدالله الاول إلى عبدالله الثاني
د. محمد المناصير
25-05-2024 09:52 AM
وقعت وثيقة الاستقلال التام في يوم السبت 1946/5/25م
تحتفل المملكة الأردنية الهاشمية هذه الايام بالذكرى 101 لاستقلال الدولة الأردنية الحديثة، والذكرى الثامنة والسبعين لإعلان قيام المملكة الأردنية الهاشمية واستقلالها الناجز، ففي عام 1921 قامت " إمارة الشرق العربي "، كأول دولة في شرقي الأردن في العصر الحديث، وفي الخامس والعشرين من أيار من عام 1923 أعلن استقلال الإمارة باسم " إمارة شرقي الأردن " ، وفي يوم السبت الخامس والعشرين من ايار من عام 1946 أعلن الاستقلال التام والناجز ، وقيام المملكة الأردنية الهاشمية ، وإعلان الأمير عبد الله بن الحسين ملكا على البلاد .
فبعد أن تلقى الشريف الحسين بن علي البرقيات من الوطنيين العرب في شرقي الأردن ، لإيفاد أحد أبنائه ليتزعم الحركة الوطنية المناوئة للفرنسيين ، أوفد الشريف الحسين بن علي الأمير عبد الله إلى سورية ، بناء على رغبة الوطنيين السوريين لاسترداد سورية من الحكم الفرنسي بعد ان قضى الفرنسيون في معركة ميسلون على مملكة فيصل في دمشق علم 1920 .
ووصل الأمير عبد الله إلى معان في 1920/11/11 وكان في استقباله الوطنيون السوريون وشيوخ شرقي الاردن واحرار العرب من سورية وشرق الاردن والعراق وفلسطين وفور وصوله أعلن نفسه نائبا لملك سورية، ودعا أعضاء المؤتمر السوري للاجتماع، ودعا الجيش السوري للالتحاق به في معان. وأثناء إقامة الأمير في معان ، جاءته رسالة شفوية من هربرت صمؤيل المندوب السامي في فلسطين ، ينصح فيها الأمير بالعودة إلى الحجاز ، وان لا يحرك ساكنا في شرقي الأردن حتى مجيء تشرشل وزير المستعمرات البريطاني إلى القدس .
إلا أن الأمير لم يستمع لتحذيرات البريطانيين، فأصدر في معان منشورا ضمنه سبب قدومه، ومبينا دور فرنسا في هدم عرش سورية، وخيانة عهود الحلفاء للعرب، قائلا: " كيف ترضون أن تكون العاصمة الأموية مستعمرة فرنسية ؟ إن رضيتم فالجزيرة لا ترضى وستأتيكم غضبى، وان غايتنا الوحيدة هي نصرتكم وإجلاء المعتدين عنكم " ، معلنا تجديد بيعته لأخيه فيصل ملكا على سورية .
وقد سارع الفرنسيون فكاتبوا بريطانيا بهذا الشأن ، متهمين بريطانيا بتمويل الأمير وتزويده بالأسلحة. فقامت حكومة فلسطين بإذاعة بيان اعلنت فيه ان الحكومة البريطانية لا تشجع الأمير عبد الله بالأعمال التي يقوم بها في سورية .
وحاول الإنجليز تهدئة حركة الأمير بتهديد والده الشريف حسين ، وفي الوقت نفسه استدعت الحكومة البريطانية الملك فيصل للتباحث معه ، فالتقاه المستر تشرشل ، فاتفق الطرفان على أن تعهد بريطانيا للعرب بإدارة شؤونهم في العراق وشرقي الأردن ، وان تشجع بريطانيا انتخاب فيصل ملكا على العراق ، والتفاهم مع الأمير عبد الله ليتولى أمور شرقي الأردن .
وفي 29 شباط 1921 انتقل الأمير عبد الله بالقطار من معان إلى عمان، ووصل الأمير إلى عمان في 2 آذار 1921 ووفد إليه شيوخ العشائر ووجوه النواحي . وقد احتفلت بلدية عمان بقدومه ، وتسابق الخطباء والشعراء للترحيب به ومنهم الشيخ كامل القصاب . ورد الأمير مخاطبا الجمع قائلا : " انه ما جاء بي إلا حميتي ، وما تحمله والدي من العبء الثقيل ، ولو كان لي سبعون نفسا لبذلتها في سبيل الأمة ، ولما عددت نفسي أني فعلت شيئا ".
وبوصول الأمير عبد الله إلى عمان ، أعلن انه نائبا لأخيه ملك سورية، وان شرقي الأردن جزءا من مملكة فيصل. ثم توجه الأمير إلى القدس للقاء تشرشل فيها ، والتقى بأعيان فلسطين قبل أن يلتقي بتشرشل في يوم 29 آذار 1921، وقد اخبر تشرشل الأمير بعزم بريطانيا على مساعدة فيصل ليكون ملكا على العراق ، لعدم رغبة فرنسا برجوعه إلى سورية ، وموافقة بريطانيا على إقامة إدارة مدنية في شرق الأردن ، إلى أن يتم الظفر بوحدة سورية بزعامة الأمير عبد الله ، وتم الاتفاق على إقامة حكومة وطنية مستقلة في شرقي الاردن .
فقامت في شرقي الاردن امارة باسم " امارة الشرق العربي" وكلف الأمير عبد الله السيد رشيد طليع بتشكيل الحكومة الأولى في 1921/4/11 ، وفي 24 تموز عام 1922 كان مجلس جمعية الأمم قد اقر صك الانتداب البريطاني على فلسطين وشرقي الأردن ، وعينت الحدود مع الأقطار المجاورة فلسطين وسورية .
واعترفت حكومة بريطانيا بحكومة نيابية مستقلة في شرق الأردن ، تحت حكم الأمير عبد الله بن الحسين . حيث أعلن استقلال الإمارة ففي 1923/5/25 أعلن استقلال إمارة الشرق العربي عن الانتداب البريطاني وأصبحت تسمى ( امارة شرقي الاردن ) بدلا من امارة الشرق العربي .
وفي 1946/5/25 أعلن الاستقلال التام ( الناجز) لشرقي الأردن باسم المملكة الأردنية الهاشمية.
صدر القرار التاريخي بإعلان البلاد الأردنية (دولة مستقلة استقلالا تاما)..
مع البيعة بالملك لحضرة صاحب الجلالة "عبدالله بن الحسين" المعظم
ملك المملكة الأردنية الهاشمية
يوم السبت 23 جمادى الآخرة سنة 1365 - 25 أيار سنة 1946م
عقد المجلس التشريعي الاردني الخامس جلسته الثالثة لدورته فوق العادة الاولى وذلك في الساعة الثامنة من صباح يوم السبت الواقع في 23 جمادى الاخرة 1365 هجرية الموافق 25 أيار سنة 1946 ميلادية ، ولدى تلاوة مقررات المجالس البلدية المبلغة اليه والمتضمنة رغبات البلاد الاردنية العامة ، تم تلاوة مذكرة مجلس الوزراء رقم 521 بتاريخ 13 جمادى الاخرة 1365 الموافق 15/5/1946 المتضمنة تأييد تلك المقررات واقتراح تلبيتها وتعديل القانون الاساسي الاردني بمقتضاها ثم لدى بحث الاماني القومية في ضوء المبادئ والمواثيق الدولية العامة وحق تقرير المصير ووعود الامم المتحدة ومقاصدها وما بذلته البلاد الاردنية من تضحيات ومساعدات للديموقراطيات وما حصلت عليه من وعود وعهود دولية رسمية فقد اصدر المجلس التشريعي الاردني بالأجماع القرار التاريخي الآتي:
نص القرار :
تحقيقا للاماني القومية وعملا بالرغبة العامة التي اعربت عنها المجالس البلدية الاردنية في قراراتها المبلغة الى المجلس التشريعي واستنادا الى حقوق البلاد الشرعية والطبيعية وجهادها المديد وما حصلت عليه من وعود وعهود دولية رسمية وبناء على ما اقترحه مجلس الوزراء في مذكرته رقم 521 بتاريخ 13 جمادى الآخرة 1365 الموافق 15/5/1946 فقد بحث المجلس التشريعي النائب عن الشعب الاردني امر اعلان استقلال البلاد الاردنية استقلالا تاما على اساس النظام الملكي النيابي مع البيعة بالملك لسيد البلاد ومؤسس كيانها ( عبدالله بن الحسين ) المعظم كما بحث امر تعديل القانون الاساسي الاردني على هذا الاساس بمقتضى اختصاصه الدستوري ، ولدى المداولة والمذاكرة قرر بالإجماع الامور الآتية :
اولا : اعلان البلاد الاردنية دولة مستقلة استقلالا تاما وذات حكومة ملكية وراثية نيابية.
ثانيا : البيعة بالملك لسيد البلاد ومؤسس كيانها وريث النهضة العربية (عبدالله بن الحسين) المعظم بوصفة ملكا دستوريا على راس الدولة الاردنية بلقب حضرة صاحب الجلالة :
ملك المملكة الاردنية الهاشمية
ثالثا : اقرار تعديل القانون الاساسي الاردني على هذا الاساس طبقا لما هو مثبت في لائحة (قانون تعديل القانون الاساسي) الملحقة بهذا القرار.
رابعا : رفع هذا القرار الى سيد البلاد عملا بأحكام القانون الاساسي ليوشح بالإرادة السنية حتى اذا اقترن بالتصديق السامي عد نافذا حال اعلانه على الشعب وتولت الحكومة اجراءات تنفيذه ، مع تبليغ ذلك الى جميع الدول بالطرق السياسية المرعية
وقد اكد الملك عبد الله الاول على عروبة فلسطين ، فقد كتب للمندوب السامي بتاريخ 1930/7/2 بعد حوادث حائط البراق : " .... عقم الامنية اليهودية في فلسطين بعد الوقائع الاخيرة التي تقضي على كل امل في امكان مجاورة هؤلاء الدخلاء للعرب في ذلك الوطن العامر بالعرب منذ 13 قرنا متطاولة".
وقد خاض الجيش العربي الأردني حرب 1948 وتمكن من انقاذ الضفة الغربية والقدس، وتشهد له معارك اسوار القدس وباب الواد وشعفاط والشيخ جراح وباب العامود وجبل المشارف والجامعة العبرية ومستشفى هداسا وجبل الزيتون ومياشيرم والصرارة وعمارة الروتردام واللطرون والبلدة القديمة وحارة اليهود ، وقد خسر اليهود في معارك باب الواد ضعفي ما خسروه في معارك فلسطين كلها وقد اسر الجيش العربي الاردني 700 من المحاربين اليهود بينما اسر اليهود اربعة جنود اردنيين جرحى والجيش الاردني هو الوحيد الذي اخذ اسرى يهود دون الجيوش العربية الاخرى وكان من بينهم شارون اقتيدوا الى منطقة المفرق .
وبعد أن تمكن الجيش العربي الأردني من إنقاذ القدس والضفة الغربية ، عين الملك عبد الله الأول عددا من الحكام العسكريين على الجزء المحرر من فلسطين ، وبناء على طلب اهالي فلسطين في الضفة الغربية وافق مجلس الأمة على وحدة الضفتين في 1950/4/24
وفي 20 تموز 1950استشهد الملك عبد الله الأول وهو يدخل المسجد الأقصى ، وكان الأمير طلال ولي العهد يستشفي في أوروبا ، فتولى الأمير نايف الذي عين وصيا للعرش ، وفي 6 أيلول عام 1950 عاد الملك طلال إلى البلاد وتولى الحكم ، وفي أيار 1951 غادر الملك طلال البلاد للاستشفاء ، وتحول العرش إلى الملك الحسين بن طلال تحت مجلس وصاية إلى أن يتم السن القانونية في 2 أيار 1953 ، وبعد انتقال المغفور له الملك الحسين الى الرفيق الاعلى عام 1999 حيث تسلم جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين سلطاته الدستورية، ملكا للمملكة الأردنية الهاشمية، في السابع من شهر شباط عام 1999م.
لقد غدا الاردن في عهد الملك عبدالله الثاني ابن الحسين، نموذجا من العمل الجاد نحو حل القضايا التي تواجه الامة العربية فضلا عن عمل جلالته الدؤوب لتطوير مختلف النواحي السياسية والثقافية والاقتصادية والامنية وبناء القوات المسلحة على اسس عصرية، حيث عمل جلالته على تجذير الديمقراطية والحرية، والامن والامان لكل المواطنين.
فالدور الكبير الذي لعبه الملك عبدالله الثاني منذ ان تبوأ سدة الحكم، حظي بتقدير الاوساط السياسية العربية والدولية، لما لجلالته من اعمال جليلة ونشاطات واضحة للعيان اسهمت في دعم التعاون العربي وازالة الخلافات بين الدول الشقيقة للوصول الى استراتيجية تكفل للامة العربية تعاونها وتضامنها وبلوغ اهدافها القومية تتسم سياسة جلالة الملك عبدالله الثاني الخارجية بالصراحة والوضوح والدبلوماسية التي تعمل على تعزيز البناء مع جميع الدول، على أسس الاحترام المتبادل والمساواة وعدم التدخل في الشئون الداخلية، وحل النـزاعات بالطرق السلمية، والحفاظ على استقلال الاردن وسيادته على أراضيه وثرواته وحرية قراره السياسي.
وقد ترجمت بصورة عملية هذه السياسة التي ترتكز على المبادئ والقوانين والمواثيق الدولية. وعلى الصعيد العربي، فقد سعى جلالة الملك عبدالله الثاني الى تطوير علاقاته في كل المجالات مع الدول العربية، انطلاقا من إيمانه بالمصير العربي المشترك، وأرسى تأكيد الأردن على الالتزام لتحقيق التضامن العربي ورص الصفوف العربية وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للأخرين وحرص على دعم وتطوير الجامعة العربية وأجهزتها ومنظماتها المتخصصة وتفاعله بنشاط مع جميع القضايا العربية. أما على الصعيد الإسلامي، فإن جلالة الملك عبدالله الثاني يؤمن بأن تقدم المسلمين مرتبط بتعاونهم وتعايشهم، في ظل السماحة والإخاء، ويسعى دائما الى التغلب على العقبات التي تعوق التعاون الإسلامي. وعلى الصعيد العالمي، يطلع جلالة الملك عبدالله الثاني الى نهج جديد في التعاون الدولي يقوم على أسس استقرت ببزوغ النظام العالمي الجديد القائم على الشرعية الدولية، و المحافظة على حقوق الإنسان ، ودور الأمم المتحدة بالحفاظ على الأمن والسلم الدوليين. ويدعو الى تعاون دولي لتأمين الإنسانية أفرادا وجماعات من أخطار الإرهاب بكافة أشكاله. وما يرتبط من تهديد وابتزاز مع التفريق بين الحق المشروع في الدفاع عن الأوطان واستعادة الحقوق السليبة كما وردت في ميثاق الأمم المتحدة.
لقد جسد جلالته الديمقراطية في الأردن فضلاً عن دور جلالته الذي نستذكره بهذا اليوم في الإصلاحات الاقتصادية والبناء والتنمية الشاملة و توفير الأمن والاستقرار في مختلف المجالات ولم يكن مستطاعاً أن يتحقق هذا النهج في الإنجازات الكبيرة العملاقة والتحولات الجذرية في جميع مجالات التقدم العمراني والصحي والثقافي والاجتماعي والتغير في ملامح هذه الأرض الطيبة إلا من خلال رغبة القائد في عصرنة هذه الدولة في اتجاه التطوير والتحديث لتكوين صورة مشرقة للدولة التي أصبحت نموذجاً في النمو والتطور. إن تخليد ذكرى الاستقلال تعد مناسبة وطنية لاستلهام ما تنطوي عليه من قيم سامية وغايات نبيلة لإذكاء التعبئة الشاملة وزرع روح المواطنة وربط الماضي التليد بالحاضر المتطلع إلى آفاق أرحب ومستقبل أرغد خدمة لقضايا الامة و الوطن وإعلاء صروحه وصيانة وحدته والحفاظ على هويته ومقوماته والدفاع عن مقدساته وتعزيز نهضته السياسية و الاقتصادية والاجتماعية والثقافية فيظل معزز النهضة الاردنية صاحب الجلالة الملك عبدالله بن الحسين .
وهكذا أسست إمارة الشرق العربي في الأردن عام 1921 ، واستقلت في 1923/5/25 باسم " إمارة شرقي الأردن" ، على يد الملك المؤسس عبد الله بن الحسين الذي ما توانى يوما في تحقيق آمال العرب بالحرية والاستقلال ، وعمل جاهدا لتخليص فلسطين من الاحتلال البريطاني وسيطرة العصابات الصهيونية على أنحاء واسعة من فلسطين ، وقد تمكن من تخليص القدس من الانتداب والاحتلال ، وقامت المملكة الأردنية الهاشمية في 1946/5/25 ، كمملكة مستقلة استقلالا تاما ( ناجزا) .