نقرأ كل يوم صراعات مختلفة ، اخرها في الشقيقة مصر ، بين احزاب و تيارات و مؤسسات ، كلٌّ منها تدعم فكرة تراها الاحق ، كل طرف يرى فيه الفضيلة و في المقابِل المغاير الرذيلة.
منذ أن بدأت علاقة الانسان و الاديان ، و بدأ يتعرف على الممنوع و المسموح من الافعال ، بدأ يكوّن محفظة خاصة به ، كلٌ حسب دينه ، إلى هنا الخط يسير باتزان ، بشر تصلي و تعبد و تحاول ألّا تقع في الممنوع الذي يُغضب السماء ، فمتى و أين وقع الخطأ؟
قد يراه البعض خطأ ، و يذهب آخرون إلى تفسيرات تندرج تحت مبدأ النُصح أو الارشاد ، فالمنطق يقول ما دام الانسان يقوم بواجباته الكاملة تجاه دينه ، يصوم و يصلي و يتعبد ، يحاول جاهدا الالتزام بهذه العلاقة العامودية بينه و بين ربّه ، فلماذا يُسطّح العلاقة لتصبح أفقية؟
لماذا يذهب في حوارات عنوانها التشدد لرجم الآخر ، تلك تبرّجت و ذلك لم يصلّي ، ألم تنادي جميع الاديان برسالة " لا اكراه في الدين" ...
بالتأكيد هنالك هامش من الحرية ، هامش من النُصح ، هامش من السعي لرأب الصورة التي قد يحتاج الآخر لمعينٍ عليها ، لكن هذا الهامش يحدده في عصرنا الحالي القانون، فلا يستطيع شخص الدخول لمرقص و ضرب الناس بحجة الايمان ، و على الجانب الآخر لا يستيطع متحرر أن يغلق معبدا تطبيقا لمنهج يراه متطورا ، فمع كامل التقدير لما فعله بورقيبة رئيس تونس الأول بعد عصر البايات ، التشدد اللاديني الذي قام به ، هو الوجه الآخر لما قامت به طالبان مثلا...كلُّ طرف يتطرف للتطبيق!
السعي للفضيلة بالاكراه سيتحول لرذيلة بالقبول ، هذه قاعدة يجب على الجمهور استيعابها ، الاب الذي يضرب ابنته لكي تتديّن ، سوف يمهّد الطريق لانحرافها في الظِل ، الأم التي تربّي ابنها و تصفّق له في مغامراته النسائية ، سوف تضرب ابنتها إن خرجت مع شاب حتى لو ضمن الآداب للتعارف ، لذلك قد تكون الرذيلة أحيانا أقل ضررا من السعي لتطبيق الفضيلة ، و منطقها أوسع و أشمل من أولئك الذين يقمعون بحجة الايمان..
التطرف ليس دائما التفجير أو حمل السلاح و الترهيب ، بل قد يأخذ شكلا من الثقافة المقنعة أو التحضّر الزائف ، أو قد يلبس عباءة التقاليد و العادات ، فيصبح انحرافا سلوكيا تتلون به الفضيلة و الرذيلة و يضيع بها الخيط الفاصل.
في عصر الانترنت ، يستطيع المرء اليوم دراسة كل الاديان و الاخلاقيات و عادات الشعوب و المسموح و الممنوع ، نستطيع أن نُبحر في البوذية ، التعمّق في التصوّف ، تحليل السيخ ، فهم المسيحية ، التبحّر في الاسلام ، الاطلاع على فكرة الالحاد، فهم اليهودية ، جميع هذه المواضيع نستطيع من المنزل التطرق لها و فهمها ، فوجود انسان يحاول الركوب على قطار التديّن و المقامرة في بورصة الدين لن يغيّر شيئا من الواقع ، أما من يتاجرون بالدين و هم كُثر ، فهم سبب رئيسي لما نراه على أرض الواقع من عزوف متطرف عن اخلاقيات الدين الاساسية السمحة ، التي هي في الاساس الفطرة النقية للاخلاق الاساسية ، التي بدين أو بدون ، ظهرت في الانسان قبل الاديان ، و نُقشت و دُوّنت عبر الحضارات المختلفة التي كانت سابقة للاديان .