الملاحظات الابرز حول الانتخابات التي أجرتها الجامعة الاردنية لمجالس اتحادها كانت مرتبطة بعدم حصول الاحزاب الجديدة التي قيل بانها حداثية على نتائج او نصيب في مقاعد المجلس والاخرى كانت في مشهد الاستعراض المسلح بالعصي من قبل الطلبة المناصرين لتيارات وعشائر المرشحين وسط الحرم الجامعي.

نعم هذه الملاحظات جديرة بالتوقف وتستحق كل منها المزيد من التحليل والمعالجة ...فيما يخص الملاحظة الاولى نترك امرها للاحزاب والطلبة ومهندسو الاصلاح والانتخابات اما الثانية فهي ملاحظة سوسيولوجية جديرة بالبحث والنقاش الجماعي وعلى كافة المستويات.

منظر الطلبة والعصي والهتافات والفزعة العشائرية وسط ام الجامعات منظر يخيف الناظر ويثير الفزع ويلقي بالشكوك على سلامة ما نقوم به لهندسة المستقبل ويطرح مئات الأسئلة حول ما وصلت اليه جامعاتنا التي اعتقدنا انها وسائل الخلاص لما نحن فيه من ترد وتراجع وهوان..

في الوقت الذي تقول فيه جامعات كولمبيا وهارفارد وفرجينيا والسوربون، كلمتها حول ما يدور في غزة ويعلن طلبتها مواقفهم من قضايا الحرية والعدوان والقيم الانسانية يتخذ ابنائنا من الانتخابات مناسبة للتأكيد على هوياتهم الفرعية التي فشلت كل برامجنا المعلنة للدمج والتحول والتغيير على استيعابها في هوية وطنية واحدة .

كتل شباب اهل الهمة والكرامة وقطاعات شباب الجنوب وشباب السلطية وشباب العبابيد وشباب بني حسن وفصائل فتح والجبهات الاخرى هي العناوين والمظلات التي انضوى تحتها طلبة الطب والهندسة والعلوم الانسانية والشريعة.

في اعتقادي ان الجامعة وكل جامعاتنا لم تبذل جهدا كافيا لتغيير حالة الانقسام والتشظي التي اصبحت مظهرا فاضحا لمجتمعنا، كما انها عجزت او تجنبت العمل على بناء أطر جديدة مقنعة لانضواء الطلبة وتوجيههم نحو الاندماج في هوية واحدة او تقديم انفسهم لزملاءهم كطلبة اختصاص بعيدا عن أسماء العشائر وعناوين انتماءاتهم الاقاليمية ..

من المؤسف أن تتحول فضاءات جامعاتنا الى واجهات عشائرية وحرمها الى مسرح للعنف وتفاعلاتها الى منازلات عشائرية واقاليمية وفصائلية تخلو من اي فكر او برامج ترتبط بغايات واهداف التعليم ورسالة المؤسسات الريادية التي ابتدعها العالم لقيادة وتوجيه وتحريك النهضة والتقدم.

يدرك كل من يتابع مسيرة التعليم في الاردن ان العملية التعليمية اصبحت اقل متعة واقل ارتباطا بتحديد المستقبل المهني للخريجين . كما يعرف غالبية الطلبة انهم سيمضون سنوات طويلة من الانتظار قبل ان يحصلوا على فرصة عمل تمكنهم من التكيف والانخراط في الحياة كاشخاص فاعلين منتجين .

اعتقاد الطلبة بأن استخدام العصى والتهديد والصراخ والبلطجة للوصول إلى مجلس اتحاد الطلبة ظاهرة مخيفة ومقلقة لان الجامعة الاردنية نموذجا لجامعاتنا ويتبع انتخاباتها انتخابات اخرى في كل الجامعات .

ما نخشاه ان ينتقل نموذج انتخابات الاردنية الى أخواتها ويصدر شباب الاردنية الذين اصبحوا اعضاء في الاحزاب تجاربهم في انتخابات الجامعة الى انتخابات الدوائر المحلية والدائرة الوطنية في أيلول القادم .

اعرف ان هناك عشرات الأيدي والطباخين الذين اسهموا في التمهيد والتهيئة والترويج والحث والاسناد لمجموعات المترشحين وتنظيماتهم المعلنة والمستترة، واعرف ان ادارة الجامعة تحاول عمل شي في اتجاه التغيير لكنها ليست اللاعب الوحيد فمن الصعب على إدارة الجامعة ان تفصل نفسها عن ما يدور في المجتمع .

أتمنى على من يحملون ملفات الاصلاح التنبه الى ان الجامعات تسير باتجاه قد يأخذها بعيدا عن دورها ورسالتها التنويرية، فمن غير المنطقي ان يجري تغليب هدف الضبط والسيطرة على هدف الابقاء عليها كمنابر للريادة والابداع.

في تعليق لاحد الذين شاهدوا فيديوهات الزحف العشائري لطلبة احد التجمعات وهم يحملون الهراوي والعصي قال:" سأضيف هذا الفيديو الى ملف طلب الهجرة الذي تقدمت به لكندا"...

مع ان لصاحبنا ان يقول ما يشاء، لكني اقول كما قال حبيب الزيودي: " هذه بلدنا ما نخون عهودها..."، و سنبقى ندق الجرس ونرفع صوتنا لعل من يديرون المشهد يتجاوبون مع نداءات الضمائر.